العدد 928 - الإثنين 21 مارس 2005م الموافق 10 صفر 1426هـ

سنة ثانية على الاحتلال

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مرت سنة ثانية على العدوان الأميركي على العراق واحتلاله عسكريا. وحتى الآن لم تنجح واشنطن في احتلال العراق سياسيا. فالفوز العسكري شيء والانتصار السياسي مسألة أخرى. وهذا هو جوهر الأزمة التي تمر بها إدارة البيت الأبيض على رغم أنها نجحت في تعزيز موقعها العسكري في بلاد الرافدين وتأمين وضعها الداخلي بعد إجراء الانتخابات.

لا خلاف على أن الولايات المتحدة نجحت في احتلال العراق عسكريا. فهذه نقطة كسبت من خلال المصالحة التي عقدها الرئيس جورج بوش في جولته الأوروبية. إلا أن الخلاف يبدأ من الخطوة الثانية وهي ماذا بعد الفوز العسكري، وماذا تريد الولايات المتحدة من العراق والمنطقة ودول الجوار الجغرافي؟

حتى الآن تلجأ إدارة البيت الأبيض إلى تكرار الأكاذيب السمجة التي تدل على بلادة ذهنية تسيطر على واشنطن، وفي الآن تستخف بعقول المنطقة العربية - الإسلامية.

تكرار الأكاذيب الأميركية بشأن احتلال بلاد الرافدين يؤكد من جديد أن إدارة البيت الأبيض ليست في وارد إعادة قراءة الملف العراقي بمنهجية نقدية. كذلك يؤكد أن الإدارة مستمرة في سياستها المعلنة ولم تتراجع عن نهج التقويض الذي كشفته في تصريحات أطلقتها الكتلة الشريرة التي تدير القرارات الأميركية. فحتى أمس لايزال الرئيس بوش يجتر الكلام الذي سبق أن قاله في تصريحات سابقة متسلحا هذه المرة بفوزه بولاية ثانية وبالمصالحة التي عقدها مع دول الاتحاد الأوروبي.

المسألة إذا أبعد من تلك التصريحات التي تكرر الأكاذيب المتعلقة بالإصلاح والتحديث والتنمية والديمقراطية والشفافية. فالأكاذيب هي نوع من الرشوة لأبناء المنطقة تهدف إلى شراء تلك التطلعات بسياسة تقويضية تخطط لزعزعة الاستقرار الأمني وتدمير البنى التحتية للدول المجاورة للعراق.

تتحدث إدارة بوش عن إنجازاتها في المنطقة محاولة تغطية أهدافها الحقيقية القاضية بتأمين أمن "إسرائيل" والنفط وما تسميه بإعادة تشكيل خريطة "الشرق الأوسط". وهذه الإنجازات التي تدعيها واشنطن لا تساوي شيئا مقابل الدمار الذي أحدثته في العراق والخراب الأمني الذي جلبته معها إلى دول الجوار بعد الاحتلال العسكري.

حتى الآن مثلا لم تنجح القوى السياسية في العراق في الاتفاق على تصور مشترك للحكم في البلاد. بل إن القوى السياسية تتنافس على توزيع الحصص في وقت ترتفع فيه تلك الأصوات المطالبة بتقسيم بلاد الرافدين فيدراليا وتوزيعه على ثلاث دوائر "دويلات خفية" في الشمال والجنوب والغرب. وهذا في حال حصوله فمعنى ذلك أن "الديمقراطية" التي جلبتها القوات الأميركية معها أدت إلى إنهاء وحدة الدولة وأسهمت في بعثرة بلاد الرافدين إلى دويلات متخاصمة تثير الرعب الأمني وتعزز العصبيات المذهبية والطائفية. وربما يكون هذا هو الهدف الحقيقي من وراء نشر "الديمقراطية" الأميركية وهي: تعميم الفوضى السياسية، وتشكيل دويلات ضعيفة تتنافس على كسب ود الاحتلال والاستقواء به داخليا وإقليميا.

الحديث عن إنجازات أميركية سياسية في العراق هو نوع من الخداع إلا إذا اعتبرت مسألة إضعاف الدولة وشرذمتها هي الهدف غير المعلن من وراء الاحتلال.

هذا الهدف غير المعلن يمكن قراءة بعض تفصيلاته في جوانب أخرى تتعلق بالتهديدات المستمرة التي تطلقها واشنطن ضد دول الجوار. فالتهديدات واضحة وشملت مختلف الدول ولم توفر السعودية وتركيا. وهذا يدل على أن المشروع التقويضي لدول المنطقة لايزال يتحكم بالسلوك الأميركي الأمر الذي يفسر إصرار واشنطن على استعدادها لاستكمال ما تبقى من برنامجها.

المسألة إذا ليست نشر "الديمقراطية" و"الشفافية" و"الإصلاح"، وخصوصا أنها تأتي من طرف إدارة أميركية متهمة بالفساد وليست بعيدة عن تجارة الأسلحة والنفط وترتيب حروب لتصريف إنتاج الصناعات العسكرية.

الاهداف أبعد من "الديمقراطية". والإدارة الأميركية تعرف أن الجمهور العربي ليس معها، وأن إجراء انتخابات نزيهة وحرة في أي بلد عربي سيأتي إلى البرلمان بقوى سياسية ليست متفقة بالضرورة مع استراتيجية العدوان التي تشنها لمصلحة "إسرائيل" والنفط وتفكيك المنطقة إلى دويلات وطوائف ومذاهب لتبرير وجودها العسكري الدائم.

هذا النهج التقويضي أظهر سلبيات سياسية كثيرة في المنطقة، ودفع دول الجوار إلى حال من التوتر الداخلي والاستنفار الأمني. وربما يكون ما حصل في العراق شاهدا على ذاك "الإنجاز" الفوضوي الذي يؤكد بوش يوميا عليه.

مرت سنة ثانية على الاحتلال وحتى الآن لاتزال الأهداف الحقيقية غير معلنة. إلا أن الوقائع الميدانية تكشف عن وجه آخر بات حتى الأغبياء على بينة منه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 928 - الإثنين 21 مارس 2005م الموافق 10 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً