العدد 928 - الإثنين 21 مارس 2005م الموافق 10 صفر 1426هـ

الموجة الإصلاحية بين التشكيك والتصديق

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

انعدام الأمن والاستقرار من جانب وغياب التنمية الاقتصادية المستدامة من جانب آخر يمثلان أبرز مظاهر منطقتنا التي يطلق عليها البعض "الشرق الأوسط الكبير"، بينما يطلق عليها آخرون "الشرق الأوسط الموسع". ولا يبدو أن الاختلاف كبير بين التسميتين، فمنطقتنا كبيرة وواسعة في همومها وأمراضها المزمنة التي أنتجتها عقود من الدكتاتورية التي تجذرت في كل جانب من جوانب حياتنا اليومية.

الولايات المتحدة الأميركية شرعت في إطلاق مبادرتها لإصلاح الشرق الأوسط بصورة تبدو أكثر جدية بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول .2001 وهي محاولة لاستبدال السياسة القديمة التي قامت على أساس احتواء المخاطر من جانب، ودعم الأنظمة القمعية "الصديقة" من جانب آخر. غير أن دخول أميركا عسكريا في العراق ومن ثم التطورات اللاحقة وإعادة انتخاب جورج بوش الابن لولاية ثانية مع مطلع هذا العام دفعت الإدارة الأميركية إلى أن تتحدث عن "سياسة جديدة" تستهدف تحقيق الأمن من خلال نشر المفاهيم والنظم الديمقراطية.

الأوروبيون كانوا قد بدأوا في العام 1995 بطرح منهج آخر اعتمدوه فيما يطلق عليه مسمى "عملية برشلونة"، وهي تربط بين التعاون الاقتصادي ومكافحة الفساد الإداري والمالي، والدعوة "المخففة" إلى الديمقراطية السياسية. وهناك الآن دعوات لتغيير هذا النهج من خلال مبادرة "الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا" التي أطلقتها مجموعة الدول الثماني والتي تقترب من النهج الأميركي الجديد الداعي إلى طرح موضوع نشر الديمقراطية السياسية كأساس من الأسس الدولية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

حلف "الناتو" الذي يجمع الجيوش الأميركية مع الأوروبية دخل على الخط أيضا، وأعلن الأسبوع الماضي أن دوره لا ينحصر في أوروبا فقط "كما كان سابقا" وإنما هو الآن صاحب رأي وموقف ودور في تنمية الديمقراطية في الشرق الأوسط عبر الدخول مع الأنظمة التي تسعى نحو الإصلاح في مشروعات تدريب وتطوير وتزويد بالمعلومات والاستخبارات العسكرية الحساسة.

منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD" التي تعتبر الذراع الاقتصادي للتحالف الأميركي - الأوروبي، ويطلق عليها عادة "نادي الأغنياء"، لديها مشروع متكامل بدأته بصورة صامتة منذ مطلع هذا العام، ودشنت عدة ورش اجتمع بعضها في البحرين، وهم يجتمعون أيضا هذا الأسبوع في البحرين بهدف توفير المساعدات للحكومة من أجل إصلاح المؤسسات بهدف إيصالها إلى مستوى متطور ديمقراطيا.

المقاربات بين الدول المسيطرة على سياسة واقتصاد عصرنا تتجه نحو المزيد من الديمقراطية والمزيد من التعاون والحوار كأساس لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية لدول المنطقة وللعالم، لأن العالم كله أصبح "قرية صغيرة".

بطبيعة الحال، يمكننا أن نشكك في صدقية هذه الطروحات، ويمكننا أن ندلي بآرائنا ونبدي ملاحظاتنا على هذا المشروع أو ذاك، ولكن الخشية هي أننا قد نتحول إلى "رد الفعل"، وإلى "المشكك" في كل شيء فنفقد بذلك فرصا متاحة أمام الجميع.

هذا التخوف ينطبق أيضا على مشروعات الإصلاح المحلية، إذ نلاحظ أن بعض الجهات تتخذ موقف "المشكك الدائم" بما هو مطروح أمامها، وتحاول أن تثبت أن هناك مؤامرة أو مكيدة مطبوخة، غافلة عن الأسباب الموضوعية التي تدعو إلى إثبات الجدية أو جزء يسير منها لكي تتسق الأمور لمن يطرح هذا المشروع أو ذاك.

إننا وفي الوقت الذي لا ندعو فيه إلى تصديق كل شيء ندعو أيضا إلى عدم التشكيك في كل شيء

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 928 - الإثنين 21 مارس 2005م الموافق 10 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً