العدد 928 - الإثنين 21 مارس 2005م الموافق 10 صفر 1426هـ

"في مكان الروح" عندما تتحول المرئيات إلى إدهاش

القدم - جمعية البحرين للفنون التشكيلية 

تحديث: 12 مايو 2017

في مكان الروح. .. فيما يشبه اللعب المدبر بين المكان وحركة الكائنات ومداراتها التي نسميها: الزمن، تتخلق حيوات وتنمو موجودات وصور، وتتحول المرئيات وتتطلب أشكالا وعلاقات تدعو البصر والبصيرة إلى تأمل حدوث لا يكف عن إدهاش حواسنا بما لا ينتهي من الصور والتعبيرات، وهل ذاكرة المكان وذاكرة البشر إلا ورش عظيمة للتكون، التحول، التأليف، التناقض والتناغم.

ورش بسعة كون يجدد نفسه باستمرار، تكوننا الأماكن ونكونها، ونتبادل وإياها المواقع في لعبة التكوين، التأثير والتعامل. الزمان يخلق المكان، كما تتخلق الأزمنة بين راحتي الأماكن. الآن هو مكان الأمس... بيت الآن هو ما نخطه على اللحظة الغابرة.

الأماكن تزرعنا حقولا لحنين نستعيده بصريا أو عاطفيا، ننثر على الأماكن جمالياتنا، أصواتنا، روائحنا وشيئا من سيرة وسيرورة. وحيثما مررت لمست ظلالك، ظلالا معتقة لأحلام وقصائد، رؤى وأغان لمن مروا، ولمن منحوا المكان بهاءه ومعناه الذي نشهد الآن تحولاته التي لا تحد. هنالك من يترك صداه في جنبات المكان، وهناك من يطبع بصماته على جدار الزمن.

ثمة ما يصنع ألفة أو دهشة للمكان، بهجة ما، قد تكون أصيص الورد، وما يتناهى إلينا من عطر من نحب أو أغنية لغريب... مقهى الجسر إذ اعتادت الطيور أن تلتقي من يصادقها. الشراع، الشاطئ، أو الموجة المازحة، تعيد بناء بيوت الرمل على طريقتها، كي تمتحن صبر معماريين صغار سيأتون اليوم الآتي.

هنالك اشتغال شعري للعناصر التي تؤلف المكان نسميه الهوية، ونسميه البيت، المصنع، الباب، الطريق. قد يكون الشجيرة أو النافذة: نافذة تطل على الحقل، البحر، السهل. وقد يكون الحقيبة أو الذاكرة، أعني الرأس، فماذا سنقرأ في ذاكرة شاعر أو رأس لدكتاتور.

في هذا المعرض أربعة رؤوس من مساقط مختلفة: آلي كورز: الأراضي المنخفضة. بريجيت رويتر: المانيا. لبنى الأمين: البحرين. قاسم الساعدي: العراق.

حاول كل منهم قراءة المكان حسب أبجديته الفنية.

آلي: تأخذنا برحلات مسائية إلى مصانع شاسعة الأنحاء. قد تهجس فيها صمتا، حضورا، غيابا من نوع ما، لكن بقليل من التأمل ستستمع أصواتا لغير المرئيين ولك أن تتخيل المكان وايقاع العمل.

بريجيت: سراميكية تستحكي الطين لكي يمنحنا بهاء التأمل لما يؤسس المكان، هكذا ببساطة وتجريد ما نراه في الواقع، وبتدبر لوني شديد الإيجاز وبكثافة شاعرية.

لبنى: ألفة البيت، أبوابه والنوافذ في تحول مستمر. الخشب المسكون بظلال وأغان، مسمار الباب، التعويذة، لمسة المسك، طبعة الحناء، ريح البحر، نداء الصيادين... إلخ كل ذلك وغيره من عناصر تداف بماء القلب، لتصير عجين الخلق القادم.

قاسم: رسام خارج من جبة الرسم إلى تقنيات أخرى، تمنحه حرية تلمس عناصر واقع لا يكف عن الحدوث وإذ المكان مساحة للفعل، الأمل، الألم وأحلام الإنسان.

هو لا يقرأ طبقات الظلال وما اختطه الزمن على صفحات الجدار، فحسب، إنما يودع أجمل ما لديه جنب جماليات الآخرين، بأمل أن تبلغ أيامنا توازنها ومعناها حينما يقف الجمال شجاعا بوجه البشاعة والخراب.

بريجيت وقاسم: يقدمان قراءة مشتركة لأماكن ومقتربات تقع عند حافات الواقع والفنتازيا.

بيوت وأبراج، سلالم أو بعض مما تتيسر قراءته من حجر الطريق. إنهما يقيمان حوارا حول طين يؤسس لمكان. طين البيت، طين الخلق، طين الإنسان.

من قال إن الغرب والشرق لا يلتقيان؟





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً