العدد 928 - الإثنين 21 مارس 2005م الموافق 10 صفر 1426هـ

التصوف في المغرب أدوار لها قوة إقناع

التوفيق في مركز الشيخ إبراهيم:

المحرق - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

أكد وزير الأوقاف والشئون الاسلامية الكاتب والروائي المغربي أحمد التوفيق أن تجليات ظاهرة التصوف في المغرب على المستوى الجماهيري وعلى امتداد تاريخها الطويل، يضفي عليها نسبية إيجابية، ويجعل متتبعها يستغني عن أي تعبير نظري آخر.

جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها الوزير مساء السبت 19 مارس/ آذار الجاري في مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، والتي كانت بعنوان "معالم من تاريخ التصوف بالمغرب".

وأضاف "ان التصوف في ذلك السياق الاجتماعي هو تصوف قديم ونادر في الشرق والغرب معا، وما تجلى فعليا وسلوكيا على امتداد زمن طويل بألوان وأدوار وتعبيرات لها قوة إقناع، لا يعارضها إلا الذين يسمحون لأنفسهم بأن يتوعدوا الأمة بسوء".

وخلال حديثه ذكر التوفيق مثالا على تلك المعارضة غير الموضوعية، إذ قال: "لقد نظمت جامعات في بولندا في نهاية أعوام التسعين ندوة حافلة تناولت أنواع المعارضة للتصوف عبر تاريخ الاسلام، ويتجلى من أعمال تلك الندوة أن تلك المعارضة استهدفت أقوال أشخاص من النخبة، ومعتقدات من طوائف اجتماعية دنيا، فهي بالتالي معارضة لا تاريخية، وهي معارضة لا فلسفية لأنها تتحرج من التأويل، في حين أن علوم القوم علوم رمز وتأويل واشعاع، وهي معارضة لا اجتماعية لأنها لا تعترف بحق الملأ العالم الذي نسميه عادة بالجماهير، في الفيض الشعوري الذي تستنكره تلك المعارضة، وهي معارضة لا إنسانية لأنها لا تؤمن بحق طلب اكتمال الانسان عن طريق الروح مكرمة في بني آدم نساء ورجالا، وهي معارضة لا سياسية، ومعارضة لا ربانية".

وأردف الحديث عن أهمية الأسلوب التربوي في التصدي لموضوع التصوف، قائلا: "ربما كان في وضع الأسئلة المتعددة في التصوف من وجهة التاريخ الاجتماعي والثقافي، الأسلوب التربوي الأنجع في مدارس البلاد الإسلامية وجامعاتها اليوم وغدا، وهو الطرح الذي يتيح نقل الكلام عن التصوف من مجال المطارحة الكلامية الفردية إلى مجال الواقع التاريخي الذي انخرطت فيه جماهير واسعة من الرجال والنساء، وفي هذا المستوى يجوز أن نقترح استعارات مقتضبة للتجربة المغربية، إذ يبدو أن ظهور أشخاص في المغرب الأقصى يمكن أن تنسب أحوالهم وأقوالهم إلى التصوف، أي إلى ما يعرف بالتوحيد الخاص، المبني على الاعتقاد بإمكان الوصول إلى إحساس أو إدراك مباشر في شكل تحل أو تلبس لبعض الأدوار أو حقائق".

وأضاف موضحا أن "هذا الظهور كان ظهورا متأخرا بالنسبة إلى أهل المشرق بل وحتى إلى الأندلس ذلك على غرار تأخر الظواهر الحضارية الأخرى ثقافية كانت أو سياسية، وقد يكون هذا التأخر فيما يهمنا هنا مرتبطا بتأخر الآثار الإنسانية الشاهدة، لا بتأخر الظاهرة الفلسفية، فقد كانت أحوال الزهد والورع غالبة على أفراد من هذه الطائفة، مما بلغتنا أخبارهم من أهل القرون الإسلامية الماضية، من دون أن يرد بصدد عدد منهم ما يجعلنا نصنفهم في عداد المتصوفة، غير أن التميز بدأ في المغرب في القرنين الخامس والسادس الهجريين، بين مجرد اعتقاد وبين الذين ارتبطت عندهم بفكرة لها علاقة بسلوك مبني على هذا التوجه الذي وصف بالتوحيد الخاص".


قاسم وساحرته التي أضاءت المكان

المحرق - جعفر الديري

لقاسم حداد ضوء، وهذا الضوء يمتد من البحرين الى الوطن العربي الكبير، ضوء لا يتوافر بكل حساسيته وشفافيته الا لقاسم، فكيف لو تآلف الضوء مع سناء الساحرة، تلك التي استطاع قاسم أن يخفيها في جميع ما كتب، حتى اذا لم يعد يتحمل ذلك أطلعها حلما عذبا جميلا في كتاب أنيق اسمه "أيقظتني الساحرة".

"أيقظتني الساحرة" ديوان شعر. تلقفته الأسماع وعشقته قبل أن يقع في أيديها، والسبب أن قاسم كان يكتب من قبل عن ساحرته، ولكنه - كما ذكرنا - لا يصرح بها، غير أنه هذه المرة صرح بها لأن الجميع كان في عطش ما بعده عطش ورغبة ما فوقها رغبة في التعرف اليها.

محمد قاسم حداد كان حاضرا أيضا، ولكن بسحر آخر، فحين ألقى قاسم في بيت عبدالله الزايد لتراث البحرين الصحافي مساء الجمعة 18 مارس/ آذار الجاري أولى خيوط سره "أيقظتني الساحرة، رسمت لي رمزها، وسقتني كأسها، كلما أغفو أراها عند حرفي ساهرة". سهر محمد قاسم حداد عندها وأطلع من مشكاته سحرا آخر، ونغما لم يولد الا لحظتها، وعندما قرأ قاسم "أوقفتني الجنية الزرقاء في الحنان وقالت: سمعت بك قبل أن أراك، ورأيتك قبل أن ألقاك، وعشقتك قبل أن أغشاك، وانتهيت بك قبل مبتداك، وسكرت بك قبل نبيذك... وهذا يكفي" كان ذلك كافيا فعلا ليتفصد عرق محمد قاسم حداد، وللتخايل له تلك الجنية الزرقاء الساحرة في غرورها وعنفوانها، وكان ذلك كافيا أيضا ليسكن الجميع وتتصاعد أنفاسهم من أجل تلك الساحرة.

فهل أعلن قاسم اسم ساحرته؟! أبدا لايزال قاسم يقول "أوقفتني وقالت لي: ليس الكلام في الكتب، الكلام في الناس". ولايزال قاسم يقول "أوقفتني في العدد وقالت: يحصونك في كثير: واحد في الظاهر، اثنان في الباطن، يتناوب عليكم الحرف والخط وكيمياء المعدن الكريم، شخص واحد في الرقعة والنسخ والثلث. حبرك حربك، حبرك حبك، حبرك بابك الرحب، يحج الخلق اليه. حبر يجعل الحق ساطعا". ولايزال قاسم يقول "رسمت لي الخرائط كي أضيع، وضعت لي الحب على القلب كي ينالني الشغف، صرت لي الطريق، وفتحت في القبر بابا على الحياة. كيف أسمي لك نفسي ولا ينالني السهو ولا السديم".

ولكن مهلا، ألا يبدو هنا أن ساحرة قاسم لا تقاسمه الحب فقط؟! أنها شغوفة به، وشغوفة بأوتار ولده، والا فلماذا يقول لها "أستحلفك بقلق الكيمياء وشكيمة المعاجم، أستحلفك بشغف يفتك بالأكباد، لا تضعي حرفا على حرف، قبل يقظة الحجر وترجمة المسافة. حجر من طبيعة الناس وشهوة الفيزياء، نغفر له الأخطاء ويسعى له المجد". والا فلماذا يقول لها "طافت بي الليل تقود عربتها الملكية، تضيء ظلام المدينة، كمن يوقظ الحلم بوردة القلب، يد في حليب الذراعين يد في حريرة الحلم. تعلن الحب في الناس، تسوق العالم نحو بيت الجنون. تهدي المجرة وتباهي بالمغامرة، متجاوزة حرس الدول وتخوم الأقاليم. كنت رفيق المليكة فيما تمحو الليل زهرة النوم".

وانها لجميلة تلك الساحرة، جميلة في مشاعرها واحساسها واخلاصها وهي توقف قاسم وتجهش على يديه وتقول "أستحلفك بالنجوم التي وضعتها في عيني وزينت سمائي بها، أستحلفك بالليل الذي حرسناه معا وهيأنا له الشمس مقصورة، أستحلفك بالبكاء الجميل الذي بكيته على كتفك تحت قصف الوقت، أستحلفك بالتهدج الذي صليته في صدرك أمنة أصد النشوة بك، وأتقي الفكاك منك. أستحلفك بحق الذئبة فيك ، وحظ الطفلة المستوحشة في روحي. أستحلفك بالأحفاد الذين سيأتون ويلثمونك في النحر ويقتلونك عني. أستحلفك لا تذهب عني... لا تذهب عني".

ولم يذهب عنها! ولكنه تركنا نحن وذهب





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً