العدد 927 - الأحد 20 مارس 2005م الموافق 09 صفر 1426هـ

انتفاضة مارس 65 كانت حركة وطنية شاركت فيها جميع الأطراف السياسية

تصحيحا لبعض ما جاء في اللقاء الصحافي المنشور في "الوسط"

محمد السيد يوسف comments [at] alwasatnews.com

-

لقد أجرت الصحافية تمام أبوصافي معي لقاء صحافيا مسجلا يوم الاربعاء الثاني من مارس/ آذار 2005م بمناسبة مرور أربعين عاما على انتفاضه مارس 1965م، ونشرت هذا اللقاء في الصفحة الثانية من "الوسط"، دون أن أطلع على مضمونه مكتوبا، ولدى قراءتي لما نشر وجدت فيه بعض التعابير والجمل التي لم تصدر مني، ما أثار حفيظة البعض، والبعض الآخر أبدى تحفظه على مضمون ما نشر بدعوى انه لا يجافي جانبا من الحقيقة، فاتصل بي وطلب مني ان اذكر ما حدث بتجرد للامانة والتاريخ. .. فاتصلت بالصحفية وأخبرتها بالاتصالات التي وصلتني وذكرت لها بعض التحفظات التي وردتني وارغب في تصويب بعض ما نشر، وقد وجدت تجاوبا طيبا منها، وقالت: "اكتب ما تشاء والصحيفة على استعداد لنشر ما تقول".

أحد المتصلين قال: "إنك قلت ان دور جبهة التحرير في المشاركة في حوادث انتفاضة 11 مارس 65 كان دورا جانبيا وهذا ما نشر، وهذا غير صحيح، فقد كان لجبهة التحرير في انتفاضة مارس دور ايجابي وردي طوال أيام الانتفاضة وما كان متوقع منك ان تقول ذلك، وانت نفسك كنت عضوا في الجبهة، وكنت تمثلها في كل تحركاتك، كما انه ليس صحيحا ما قلت ونشر بأن جميع القوى السياسية شاركت ولعبت دورا رئيسيا في اثناء الانتفاضة، فعلى سبيل المثال تنظيم البعث وتنظيم الاخوان المسلمين، لم يشاركا بتاتا في الانتفاضة، لذلك يجب تصحيح ما قلت للامانة والتاريخ".

الجـواب: أنا لم اقل ان جبهة التحرير لعبت دورا جانبيا، وانما الصحافية هي التي ذكرت ذلك لدى تفريغها لمحتوى الشريط، الذي لم اتمكن من الاطلاع على مضمونه الا بعد النشر، والصحيح ان جبهة التحرير لعبت دورا رئيسيا كباقي القوى الوطنية الاخرى، وعناصرها شاركت في جميع المظاهرات وترديد الشعارات، وان لم يكن منهم الا القليل على رأس وفي قيادة المظاهرات وأنا أحددهم. كما ان الجبهة هي الوحيدة التي كان بحوزتها السلاح الخفيف الذي وزعته على باقي القوى السياسية والذي استعمل اثناء الانتفاضة.

أما القول بأن تنظيم "البعث" لم يشارك في الانتفاضة، فهذا قول غير صحيح، انما لا استطيع تقدير حجم المشاركة، فقد كانت التنظيمات سرية وكان بعض عناصر البعث الذين أعرفهم على الأقل، كالمرحوم الكاتب محمد المجاحد، وعبدالوهاب بوكمال، وغيرهما قد شاركوا في المظاهرات وفي العمليات الليلية ضد جنود الانجليز، اما القول بان هؤلاء منشقون عن البعث أو الجناح اليساري منه، فهذه أمور لا أعرفها، ويدحض هذا القول: هو اشتراك عناصر غير يسارية من البعث مثل عبدالرحمن يوسف، في لقاءات تباحثية أيام الانتفاضة، كما قدموا مساعدات مالية في دولة قطر بواسطة المذكور الذي التقيت به في قطر ثانية، وعن طريق علي الكواري، ونقلوا أخبارا عن تحركات المباحث في قطر الى عناصر حركة القوميين العرب، حتى لا يقع أحد في قبضة المباحث، إلخ.

أما الاخوان المسلمون فقد رأيت بعض عناصرهم يتعاطف مع الانتفاضة، وكما قلت في المقابلة، ان البعض ابدى استعداده لمد يد المساعدة للانتفاضة، وكان هذا البعض يحضر التجمهر في ساحة مسجد الشيخ حمد بالمحرق حيث كانت تلقى الخطابات من داخل المسجد ويشرح للمتظاهرين الاخبار والحوادث التي جرت وحصلت في ذاك اليوم، ويطلب منهم مواصلة الاضرابات والتظاهرات. أما كون تلك العناصر لا تمثل إلا نفسها وليس تنظيم الاخوان فهذه أمور لا أعرفها، المهم ان هؤلاء كانوا يتمتعون بحس وطني وتعاطف مع الشعب وعلى رأسهم المرحوم عبدالرحيم روزبه.

وبالتالي، استطيع ان أقول إن الانتفاضة كانت في الاساس انتفاضة شعب البحرين وانحصرت في قطاعات العمال الواسعة والكادحين والموظفين والمثقفين، ولم يشارك فيها القطاع التجاري والمالي لانه كان يتضرر من الاضرابات، وبقي هذا القطاع صامتا. اما الشرائح العليا منه فقد كانت تقف ضد تلك المظاهرات والاضرابات... إلخ. وكانت حركة القوميين العرب والناصريين هي التي تحصل على التأييد السائد في الشارع الذي لم يكن منظما في حزب أو حركة معينة، والجماهير التي كانت تشارك في المظاهرات والاضرابات لم تكن غالبيتها العظمى منتسبة لحركه القوميين العرب، انما كان الحس القومي والناصري هو السائد لدى عامة الناس وكان الظلم والاضطهاد يعم الجميع.

يقول اتصال آخر: "إن هناك وقائع وحوادث عايشتها اثناء الانتفاضة ولكن لم تذكرها في المقابلة، وهي من الاهمية بمكان، إذ ان تلك الوقائع تظهر مدى تلاحم القوى الوطنية وتكاتفها، ومن ناحية أخرى تظهر الى أي مدى كانت مظاهر الطائفية المذهبية معدومة بين السنة والشيعة في تلك الانتفاضة. ولم تذكر كيف بدأت المظاهرات يوم 11 مارس 1965 امام مبنى بلدية المنامة، ولم تذكر ان تلك المظاهرات كانت احياء لذكرى مرور 11 سنة على اطلاق النار على سواق الأجرة "التاكسي" أمام مبنى البلدية، وقتل وجرح الكثير منهم أيام هيئة الاتحاد الوطني العام ،1954 ويقول المتصل ان هذا الحادث يجب الا ينسى أو يسقط من الذاكرة. كما يجب ان تذكر تفاهم جميع القوى الوطنية أثناء إلقاء الخطابات من داخل مسجد الشيخ حمد وغيرها من الوقائع التي لم تذكرها في اللقاء الصحافي".

وأقول: "إنني قد ذكرت للصحفية كيف بدأت المظاهرات في 11 مارس ،65 كما ذكرت اسماء الاشخاص الذين اعدوا اليافطات والشعارات المكتوبة عليها، وكان ذلك بتدبير عناصر من جبهة التحرير الوطني التي ذكرت أسماءهم: عبدالله الراشد، وابراهيم السيد، وموسى خميس "من سنابس" وغيرهم. كما ذكرت لها كيف طلب منا أعضاء الجبهة الحضور في تلك المنطقة لنشارك في الهتافات والمظاهرات، الا أن الصحفية لم تفرغ كلامي كاملا من الشريط. كما انني لم اكن اعلم بأن ذلك الحدث انما كان احياء لذكرى إطلاق النار على سواق الأجرة الذين كانوا معتصمين امام مبنى البلدية كما يقول المتصل، وانما عرفت هذا الشيء من الاتصال الهاتفي الآن. وأذكر الحادثة جيدا إذ كنت صغيرا "حوالي 15 سنة" وكنت في طريقي الى والدي حيث كان يعمل بمحطة النعيم لتزويد البنزين، وكنت أسير في الشارع بمحاذاة مصنع أحمدي للثلج، عنما مرت ثلاث شاحنات مكشوفة مليئة بشرطة من الهنود والبلوش، وكانوا يطلقون النار في الهواء والسيارات مسرعة في اتجاه شارع النعيم وغابت السيارات. وعندما وصلت قرب فندق عبدالنور البستكي وجدت أناسا يركضون وآخرين يهرولون باتجاه مستشفى النعيم، فركضت معهم. وما ان دخلت مع غيري إلى المستشفى، حتى رأيت جرحى ملطخة ثيابهم بالدماء، بعضهم على الأسرة وبعضهم ممدد على الأرض في الرواق والدماء تنزف منهم، وحولهم رجال يتوعدون بصوت عال وقد مزقت قمصان وثياب بعضهم وبانت صدورهم واكفهرت وجوههم. والبعض يحاول مساعدة الممرضات الهنديات بوضع لفافة قطن كبيرة على خاصرة أحد الجرحى لإيقاف النزيف. وكان آخر ينزف من كتفه وآخر ينزف من فخذه وقد مزق بنطلونه لتطهير الجروح. وكانت الجروح كانها بتر بحد سيف أو سكين. وأصبت بهلع شديد من منظر الدماء والجرحى وصراخ من يأتون بالجرحى على اذرعهم ويضعونهم على الارض حيث اكتظت أروقة المستشفى، فخرجت من المستشفى قبيل المغرب وانا في حزن وخوف شديد مما رأيت.

في اليوم التالي عرفت ان الشرطة أطلقت النار على سواق الأجرة أمام مبنى بلدية المنامة، وكان ذلك في العام .1954

وكذلك لم تنشر الصحيفة ما قد تم تسجيله بشأن الخطباء والخطب التي كانت تلقى في مسجد الشيخ حمد قبيل المغرب، فقد ذكرت كيف يقف على أبواب المسجد عدد من القوميين العرب اعرف منهم شخصين: السيدجواد، وماجد عون، وكانوا يفتحون الباب الجنوبي للمسجد الذي لا يطل على الساحة حيث يتجمهر المتظاهرون، ويسمحون لنا بدخول المسجد، 5 الى 7 اشخاص، ثم يقفل الباب ولا يسمح لاحد بالدخول. وذكرت في التسجيل ان من بين من أعرفهم من الخطباء أحمد الشملان والمرحوم محمد بونفور "من حركة القوميين العرب" وعبدالوهاب بوكمال "من البعث" ومحمد السيد "من جبهة التحرير" وآخرين لا أعرف أسماءهم ولا من أي القوى، وكانوا يمثلون جميع القوى السياسية الفاعلة في الانتفاضة، وكانت تلقى خطابات وكلمات ارتجالية، يبدأ بها احمد الشملان أو المرحوم بونفور، ثم يأتي دوري لألقي بعض الاخبار أو قراءة بعض المنشورات التي وزعت على المتظاهرين ثم يغلق الميكرفون. وبعد ان ننتهي نتسلل من الباب الجنوبي ونختلط بالمتظاهرين وننصرف مع الجموع. وأود أن أشير الى انني انتسبت الى جبهة التحرير الوطني البحرانية في شتاء العام ،1957 وكنت وقتها طالبا في المدرسة الثانوية بالمنامة، وخرجت من صفوف الجبهة العام ،1988 حيث جمدت عملي وقطعت الاتصالات السرية والاشتراكات، الا ان علاقاتي بقيت ودية مع الجميع حتى الآن. اما ذكريات العمر مع جبهة التحرير، فسيكون موضوع الكتاب بعنوان "قبل المغيب" سأحاول التفرغ لكتابته عندما تسمح الظروف

العدد 927 - الأحد 20 مارس 2005م الموافق 09 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً