في مثل هذا اليوم قبل خمسة وأربعين عاما، قتل 69 متظاهرا بإطلاق النار عليهم في مجزرة شاربفيل أثناء احتجاج سلمي على سياسة الفصل العنصري. وتحتفل الأمم المتحدة كل عام بهذه الذكرى السنوية من خلال توجيه الانتباه إلى الكفاح المتواصل ضد جميع أشكال التمييز العنصري.
وعلى رغم الجهود المبذولة على مدى عقود من أجل القضاء على فيروس العنصرية، فإنه مازال يلوث العلاقات الإنسانية والمؤسسات الإنسانية في كل أنحاء العالم. واليوم، ظهرت أشكال جديدة من التمييز لتضاف إلى المظاهر القديمة لهذا الوباء من قبيل التمييز المؤسسي والإجحاف غير المباشر والعنف العنصري وجرائم الكراهية والتحرش والاضطهاد، وهو ما يشكل على ما يبدو تحديا للكثير من المكتسبات التي حققناها. إذ تستخدم شبكة الإنترنت لأغراض الدعاية للعنصرية، ويتزايد عدد ضحايا الاتجار بالبشر، وتتنامى الحجج القائمة على كره الأجانب في الخطابات السياسية، وإخضاع أشخاص أبرياء "للتصنيف العرقي" باسم مفاهيم أمنية محرفة. وحتى معاداة السامية عادت تطل بوجهها القبيح بعد انقضاء ستة عقود على تحرير معسكرات الإبادة التي رأى فيها العالم أجمع الممارسات الوحشية التي يمكن أن تفضي إليها العنصرية عندما لا يتم التصدي لها.
ولا يمكن لأحد أن يتبنى موقف المحايد في المعركة ضد مثل هذا التعصب. ويجب علينا عدم التخلي عن الكفاح ضد العنصرية أو الأمل في النصر. ففي العام ،2001 اعتمد المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب إعلان وبرنامج عمل ديربان بوصفهما مخططا يمكن للدول من خلالهما العمل معا من أجل القضاء على العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب. ثم هناك التعليم والتوعية والقوانين والسياسات الوطنية الفعالة والإعلام غير المتحيز: وهي كلها عناصر يمكن أن تساعد في تعزيز ثقافة التسامح والسلام. وبالالتزام المشترك من جانب المدافعين عن حقوق الإنسان والحكومات والمحاكم والبرلمانات والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان، يمكننا، بل يجب علينا أن ننتصر.
وستواصل الأمم المتحدة من جانبها الاضطلاع بدورها في هذا الصدد. ومن خلال عمل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية، واللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري، ولجنة حقوق الإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، وكل موظف من موظفي المنظمة، يجب علينا مواصلة السعي لتحقيق رؤية الميثاق بشأن "احترام حقوق الإنسان دون أي تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين". وإنني أضع اليوم أمام الدول الأعضاء مقترحات مهمة من أجل تعزيز هذه الآلية المعنية بحقوق الإنسان حتى تتمكن من محاربة الشرور من قبيل العنصرية بمزيد من الفعالية والاتساق.
وهذا العام في جنيف، ستحتفل مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بهذا اليوم من خلال عقد اجتماع لفريق خبراء لمناقشة الممارسات الفعالة للتغلب على جرائم الكراهية. وفي باريس، تنظم اليونسكو حلقات عمل ومناسبات ثقافية للشباب في إطار الائتلاف الدولي للمدن المناهضة للعنصرية. وفي نيويورك، ستعقد سلسلة اجتماعات لأفرقة خبراء للنظر في التقدم المحرز على صعيد الجهود العالمية من أجل القضاء على العنصرية والتمييز العنصري.
وإذ نتذكر تضحيات شاربفيل، وما لاقته الشعوب من معاناة وما حققته من انتصارات في مكافحة العنصرية على مر السنين وفي جميع أرجاء العالم، لنستحضر اليوم الدعوة الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من أجل "إعادة تأكيد الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقدره، وبالمساواة بين الرجال والنساء في الحقوق"
العدد 927 - الأحد 20 مارس 2005م الموافق 09 صفر 1426هـ