أبحث عن مطعم ثقافي بلا شحوم يوتوبيه كي لا ابتلى بالترهل الفكري الذي أصاب شبابنا، لا أريد أن أقرأ رواية نوال "سقوط الإمام" ولا قصيدة نزار قباني "حدثني الإمام"، ولكني في المقابل ابحث عن خطاب رسمي وخطاب شعبي يؤسس لثقافة معرفية غير قروسطية.
"التثاقف" الكاذب لا ينفعنا ولن يتغير واقعنا اذا بقيت اهتماماتنا منصبة على الجزء السفلي من الانسان ملغين العقل والتفكير والمنهج في حياتنا. خطابنا يكون له مفعول سيسيولوجي "اجتماعي" عندما يخيط للناس ثيابا، وعندما يتحول الى أربطة خبز يأكلها الناس، لا ان يتحول الى أوهام مرقعة من الخبز البلاستيكي أو من الماء الكاذب يحسبه الظمآن ماء. ولنا ان نسأل أنفسنا نحن دعاة الانتلجنسيا البحرينية، دعاة الفهم والمعرفة: هل يمكن لنا ان نسعد الآخرين؟ هل لنا ان نحول خطاباتنا الى خبز يومي وقماش شعبي يفرح قواعدنا؟
أعلم ان هناك كثيرين سقطوا في بئر السياسة، ولكن نحن ايضا لم ننجح، والعالم العربي يتنفس سياسة ولكن بالمعكوس، والسؤال: أين نحن من ابنائنا الهاربين من خطاباتنا المحشوة بغبار التاريخ والتي لا تؤمن بتغير الواقع وبقواعد اللعب وبالتوازنات؟ ان بمقدور حملة اعلامية بسيطة ان تجذب آلاف الشباب في مسرح لقائي مع "شباب ستار أكاديمي" في حين تأخذنا نشوة النصر عندما نرى 500 شاب يتكدسون حول محاضرة لنا، لذلك يجب ان نبحث عن علم التسويق والعلاقات العامة لنجدد خطابنا أي نجدد الاسلوب مع الاحتفاظ بالتأصيل حتى لا نكرر ذواتنا في خطاباتنا فيهرب الجمهور من كثرة التكرار. أقر اننا أهملنا الجوانب الاجتماعية والثقافية ورحنا نشرب حليب السياسة ودهنيات السياسة حتى أصبنا بتكدس الكلسترول السياسي في عروقنا. فنحن مبتلون بين خطاب ساكن في الآخرة في دروشة فاضحة فيتحول الجمهور الى جمهور شحات لا يلبس إلا الثياب المرقعة، وبين خطاب آخر غارق في الدنيا ماسح لأحذيتها، والصعوبة في الوسطية والاعتدال. احصاءاتنا مبكية... 9 ملايين شاب عربي خارج التعليم الثانوي بحسب احصاء 1996م و10 ملايين طفل في العالم العربي من دون مدارس! والسؤال: أين هي الحكومات العربية؟ أين هي وزارة التربية والتعليم العالي؟ ونحن في البحرين مازالت وزارة التربية والتعليم تخرج لنا مئات من دون معرفة للغة الانجليزية... احصائية شركة ماكينزي مخيفة، فمستوى خريجي المدارس الثانوية أو الجامعة في مادة اللغة الانجليزية اسلوب تعليمي يعتمد التلقين الببغائي ولا يخلق إبداعا. تزيد الأمية في معظم البلدان العربية على 60 في المئة وغالبيتهم من النساء... والشاعر شوقي يقول:
واذا النساء نشأن في أمية رضع الرجال جهالة وخمولا
لماذا التعجب اذا من غياب حقوق المرأة في محاكمنا العربية؟ التخلف منع المرأة في السابق من الالتحاق بالدراسة، واليوم تمنع من المشاركة في الانتخابات في الكويت وكأنما المرأة جاءت من المريخ!
ألا يحزنكم ان تروا اطفالا امام اشارات المرور يستوقفونكم ليبيعونكم ماء... هذه بعض اجيالنا المتكدسة على محطات الفقر والبطالة... هذا هو غدنا، نحن مشغولون بصراخ الميكروفونات وابناؤنا في الطرقات وعوائلنا قد تسقط عليها بيوتها الطينية عند هطول المطر، ونحن نتكلم عن حل قضية افغانستان ومهووسون بآلام افريقيا... غريب امرنا، لماذا لا تستثار نفرتنا وغيرتنا في الآلام الشعبية من فساد وزير أو مؤسسة أو ضياع حقوق؟ لم لا نصاب بغيبوبة من ذلك؟! إن نفرتنا تصل الى عنان السماء عندما تتعرض عنزة صغيرة في شارع وعر لحادث بسيط؟! فلنفكر في ظاهرة الرسوب التي وصلت في بعض الاحيان الى النصف في بعض مراحلنا الاعدادية! فلنفكر في الشباب وهذه الاجيال التي ما عادت تستهويها خطاباتنا المنفعلة، فأكلتها العولمة وأصبح جل همها سوبر ستار وستار أكاديمي وآخر موضات العصر... بعض هؤلاء يعيشون في غربة معنا ومع خطاباتنا. فلنفكر في شبح البطالة المقبل الذي سيطل بعنف في العام 2010م. الاقتصادي آدم سميث يقول: الفقراء ينجبون فقراء، والاغنياء ينجبون اغنياء... وهكذا يزداد الفقر والغنى وأي بحريني يعتمد على راتب الحكومة مخطئ... يجب ان يعمل كل ما في وسعه للدخول في السوق والتجارة بحثا عن موارد اضافية. وإلا سيحمل على نعش اعواده أربعة "الفقر والمرض والجهل والجريمة". وهذا الواقع لا يتغير إلا بالتعليم. فلنسأل أنفسنا: ما ربط القراءة بالكرامة عندما يقول الله سبحانه وتعالى "أقرأ وربك الأكرم" "العلق:3" العلاقة بين القراءة والكرامة يا سادة وثيقة، فالشعوب الاكثر قراءة أكثر كرامة، فليس لها ذقون يضحك عليها ولا تباع بالشعارات الديماغوجية الكاذبة.
والسؤال: لماذا يحترم المواطن الياباني في كل مكان، ولماذا يحترم الغربي في كل مكان؟ ان السر في عبقرية التنظيم والتعليم وتحريك الحق بدلا من استيراد الأفكار المعلبة والجاهزة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 927 - الأحد 20 مارس 2005م الموافق 09 صفر 1426هـ