العدد 927 - الأحد 20 مارس 2005م الموافق 09 صفر 1426هـ

لبنان في عنق الزجاجة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل يدفع لبنان، وربما سورية، ثمن المصالحة الأوروبية - الأميركية؟ السؤال خارج السياق المتداول ضمن بعض دوائر المعارضة اللبنانية. فبعض المعارضة يرى العكس من ذلك ويعتبر أن هناك فرصة دولية "أميركية - أوروبية" مؤاتية تفسح المجال لإخراج البلد الصغير من عنق زجاجة الصراع العربي - الإسرائيلي.

هذا الرهان المحلي بحاجة إلى إعادة تفكير. فالمسألة المطروحة في المنطقة أكبر بكثير من الساحة اللبنانية بل إن المشروع الاستراتيجي "التقويضي" الذي تقوده واشنطن تجاوز في استهدافاته ذاك الصراع التقليدي العربي - الإسرائيلي. والمخطط الذي يقوده جورج بوش من البيت الأبيض أفصح عن أهداف تتجاوز تلك التي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة وتحديدا 242 و338 وباتت واشنطن في موقع يقود الصراع ولا يديره.

الولايات المتحدة تغيرت وهذه نقطة جوهرية في السياسة الدولية الجديدة. والتغيير الذي أصاب واشنطن قلب قواعد اللعبة الدولية في منطقة "الشرق الأوسط". فواشنطن بعد ضربة 11 سبتمبر/ أيلول 2001 انتقلت من الطرف الذي يدير الصراع لمصلحة "إسرائيل" إلى طرف يقود الصراع مباشرة ضد الدول العربية ولمصلحة أمن "إسرائيل" والنفط وبهدف إعادة النظر في الخريطة السياسية لدول "الشرق الأوسط".

هذا التحول أدى إلى سلسلة متغيرات أهمها أن الصراع العربي - الإسرائيلي انتقل الآن، ومنذ أربع سنوات، إلى صراع أميركي - عربي مدعوم إسرائيليا لمصلحة واشنطن. والاختلاف في أدوات الصراع ووسائله وحجمه وإمكاناته يعني أن المواجهة أصبحت دولية وليست إقليمية وبسببها امتدت على مساحة واسعة لا تقتصر تأثيراتها وتداعياتها على حدود ضيقة.

هذه المتغيرات لا تلحظها المعارضة اللبنانية بدقة كذلك لا تدرك خطورتها أحزاب الموالاة. فالمسألة لم تعد تقتصر على ضبط الصراع أو المواجهات المحدودة مع "إسرائيل" بل امتدت أهدافها إقليميا وخصوصا بعد نجاح أميركا في احتلال العراق عسكريا قبل سنتين.

احتلال العراق أحدث سلسلة متغيرات سياسية على قواعد اللعبة الدولية السابقة وخصوصا في تلك الدائرة الصغرى من "الشرق الأوسط" وتحديدا المساحة الممتدة من إيران إلى السودان.

الاحتلال في سنته الأولى أحدث فجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا. والفجوة أسهمت في عدم استقرار العراق، الأمر الذي دفع واشنطن لاحقا إلى عقد سلسلة مصالحات مع أوروبا وأبرزها تلك التي حصلت مع فرنسا وألمانيا وثم مع روسيا. وأخطر عناوين المصالحة مع فرنسا "أوروبا" عبر عنها القرار 1559 الذي صدر قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفقرات القرار تشير إلى مجموعة نقاط ممتدة إقليميا من لبنان إلى بعض أطراف الدائرة الصغرى في منطقة "الشرق الأوسط". فتلك الفقرات لبنانية في ظاهرها إلا أنها تمس استقرار المنطقة في منطقها العام. فالقرار مثلا عدل من أولويات السياسة الأميركية في تلك الدائرة الصغرى ورفع الغطاء مجددا عن الوجود العسكري السوري وبدأ يدفع باتجاه كشف الغطاء اللبناني عن حزب الله.

القرار أيضا يختلف في جوهره ومنطقه عن اتفاق الطائف حتى لو توافقت تلك الفقرة المتعلقة بالوجود السوري مع ما يذهب إليه الاتفاق. كذلك يختلف القرار عن الاتفاق في آلياته ووسائل تنفيذه وتوقيته. فالتوقيت مسألة مهمة وهذا ما أعطى للقرار ذاك الزخم الدولي دافعا بقوة تلك الآليات المعطلة إلى التحرك بسرعة.

أخطر مسألة في القرار التوقيت. فهو صدر في لحظة لقاء بين الولايات المتحدة وأوروبا، وفي وقت كانت واشنطن بحاجة إلى فرنسا أو "دول الضد" لعقد مصالحة معها بشأن الملف العراقي مقابل إعطاء دور لتلك القارة في الجانب المتعلق بلبنان وفلسطين وسورية وصولا إلى إيران.

القرار يلبي حاجات متبادلة وصدر في فترة متغيرات تعدلت خلالها قواعد اللعبة الدولية. فهو يعطي فرصة لأوروبا بالعودة إلى المنطقة من خلال ربط ثلاث نقاط حاول "الطائف" فصلها عن بعضها. فالقرار يؤكد سحب سورية قواتها، وتجريد حزب الله من سلاحه، وسحب أسلحة المخيمات. وهذا يعني إعادة ربط أزمة لبنان بأزمات المنطقة من عسقلان إلى همذان.

كان من الطبيعي أن يهتز السلم الأهلي في لبنان بعد إسقاط تلك القنبلة العنقودية. فالقرار أشبه بمشروع فتنة سياسية يراد منه إيقاظ تلك المشكلات النائمة. وهذا ما حصل. والمعارضة لا تدرك مدى خطورة الأمر وكذلك الموالاة... والحبل لايزال في بدايته.

لبنان ظاهريا خرج من عنق زجاجة. واحتمالات إعادة إدخاله في عنق أطول واردة. وبالتالي ليس مستبعدا أن يدفع لبنان، وربما سورية، ثمن ذاك التوافق الأوروبي - الأميركي على ملفات "الشرق الأوسط"

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 927 - الأحد 20 مارس 2005م الموافق 09 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً