من الناحية النظرية فإنه ثمة اتفاق بين القوى السياسية البحرينية على رفض أية تدخلات أجنبية لفرض الإصلاح السياسي والاقتصادي على النظام، وكذلك هناك حال من الرفض الشعبي والرسمي لهذا التدخل في الشئون الداخلية البحرينية. ولكن الواقع العملي يكشف وجود درجة ما من التدخل الأجنبي لدعم عملية الإصلاح التي تشهدها البلاد منذ نحو أربع سنوات.
ويمكن ملاحظة ذلك في الجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية من خلال تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير عبر عدة مؤسسات أبرزها المعهد الوطني الديمقراطي خة النشط في المملكة. طبعا هناك مكاسب عدة يمكن الحصول عليها من هذا المشروع، والفرص كثيرة ومتاحة من خلاله كما تحدثنا عنها الأربعاء الماضي. إلا أن هناك جملة من المخاطر قد تواجه النظام السياسي البحريني نتيجة تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، ويمكن رصد أبرزها في الآتي:
أولا: إمكان خلق مجموعة من الأزمات السياسية والتوترات الداخلية بسبب الجدل والخلاف على التعاطي مع مشروعات الإصلاح الخارجية، كما حدث خلال نهاية الصيف الماضي عندما أثير جدل مجتمعي حاد داخل المجتمع البحريني على مشروعية وجود المعهد الوطني الديمقراطي، وحقيقة الأنشطة التي يقوم بها وأهدافها.
ثانيا: إمكان خلق قوى سياسية موالية للبلدان التي تطرح مشروعات الإصلاح الخارجية، ما يزيد من فرصة تأييد أية مشروعات سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو تعليمية قد تطرحها القوى الخارجية قد لا تتناسب مع المصالح الوطنية والثوابت البحرينية.
ثالثا: ربط قدرة النظام السياسي البحريني على الإصلاح في المجالين السياسي والاقتصادي بحجم المساعي والجهود الأجنبية في إحداث هذه العملية. وهذا من شأنه أن يزيد من بطء عملية الإصلاح أو يزيد من وتيرتها جراء هذا الارتباط.
رابعا: اعتماد طبيعة الإصلاح السياسي الذي يشهده النظام السياسي على طبيعة الأهداف التي تسعى القوى الأجنبية إلى تحقيقها في البلاد. ومن ثم فإنه إذا كانت الإصلاحات الراهنة هي الحد الأقصى من الطموح الذي تسعى إليه القوى الأجنبية فإنها ستسعى للمحافظة على الوضع القائم، ولن تدعم المزيد من الإصلاحات التي قد ترغب النخبة الحاكمة في القيام بها، أو تطالب بها القوى السياسية أو حتى القواعد الشعبية. ومن العوامل التي ستساعد القوى الأجنبية في تحقيق ذلك وجود قوى سياسية موالية لها نتيجة البرامج والفعاليات التي أقامتها طوال الفترة الماضية.
تلك كانت أبرز المخاطر التي قد تسفر عن التدخل الأجنبي لتحقيق الإصلاح الداخلي. والآن فإنه من الضرورة بمكان معالجة إشكالية مهمة تتمثل في وجود تباين وفروقات واضحة بين الموقفين الرسمي والشعبي إزاء التدخل الأجنبي في الإصلاح الداخلي. ففي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة موقفها إزاء مبادرة الشرق الأوسط الكبير وتفاعلت معها إيجابا، فإن القوى السياسية والقواعد الشعبية مازالت تعيش موقفا متناقضا تجاه هذه المبادرة، فهي تعارض التدخل الأجنبي ولكنها في الوقت ذاته تتفاعل مع المشروعات المطروحة داخليا من خلال ورش العمل، والدورات التدريبية، والزيارات الخارجية. ومن الطبيعي أن تعيش حال التناقض هذه، لأن القوى السياسية بحاجة إلى الإسراع في تراكم الخبرات، وتعويض النقص في الخبرة لتفعيل دورها داخل النظام السياسي البحريني، وهذا ما يفرض على جميع القوى إعادة النظر في موقفها المتناقض إزاء مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي لن تحول مواقف التنظيمات السياسية دون تنفيذه في المنطقة، وهو ما يحتم تكييف قدرات النظام السياسي لحماية وجوده، والحفاظ على مكتسباته
العدد 926 - السبت 19 مارس 2005م الموافق 08 صفر 1426هـ