العدد 926 - السبت 19 مارس 2005م الموافق 08 صفر 1426هـ

هرج ومرج في الحي الحكومي في برلين

لقاء سري بين شرودر وعلاوي في أبوظبي

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كان المستشار الألماني السابق هيلموت كول يهرب من مشكلات السياسة الداخلية ويزور الأصدقاء في إندونيسيا والصين ومصر والمغرب حالما تهدأ الأجواء السياسية في ألمانيا. ولا يختلف المستشار الاشتراكي غيرهارد شرودر عن كول فقد استطاع أن يتنفس الصعداء بعض الوقت حين قام اخيرا بجولة خليجية كشف النقاب قبل أيام أنه حصل خلالها اجتماعا سريا لا أحد يعرف لماذا أرادت برلين التحفظ عليه. فقد اضطرت الحكومة الألمانية إلى الاعتراف بأن لقاء تم سرا في أبو ظبي بين المستشار شرودر ورئيس الحكومة المؤقتة في العراق إياد علاوي وأن المسئولين الإماراتيين رتبوا هذا اللقاء الذي تم في مكان بعيد عن الفندق الذي نزل فيه الوفد الألماني الرسمي وتم من دون علم أعضاء البرلمان الألماني الذين رافقوا شرودر في جولته.

اضطرت برلين للإشارة إلى هذا اللقاء بعد أن كشف متحدث باسم علاوي عن مضمونه. وقالت برلين إن علاوي شكر شرودر على الدعم الألماني لبرنامج تدريب عناصر من شرطة وجيش العراق على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة وحث على مواصلة العمل بهذا البرنامج وتطويره كما طلب علاوي مساهمة ألمانيا في بناء الوزارات العراقية ومؤسسات الحكومة.

وكان المستشار الألماني قد أعرب عن استعداده لمساعدة العراق في هذا الميدان. منذ عودته إلى ألمانيا انهمك شرودر في مشكلات السياسة الداخلية التي لاحقته خلال جولته الخليجية. فقد بعثت زعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي المعارض أنجيلا ميركل وشريكها السياسي رئيس حكومة بافاريا إدموند شتويبر رسالة إلى المستشار بلغته حين كان في العاصمة القطرية أعربا فيها عن استعدادهما للحديث معه بشأن سبل مكافحة أزمة البطالة عقب إعلان رقم قياسي جديد بلغ 5 ملايين و216 ألف عاطل في نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي. ومن المؤكد أن الرقم سيزيد بحلول نهاية مارس/ آذار الجاري.

غير أن المراقبين يعتقدون أن الرقم غير الرسمي لجيش البطالة بلغ ستة ملايين عاطل وهذا أعلى رقم منذ العام 1933 حين جاء النازيون إلى الحكم. وقد أوحى شرودر للرأي العام الألماني خلال جولته الخليجية التي شملت 7 بلدان خلال 7 أيام، أنه يعمل من أجل الترويج لسمعة الاقتصاد الألماني. ومن المقرر أن يقوم شرودر هذا العام بجولة مماثلة إلى عدد من بلدان أميركا اللاتينية. ويحير الخبراء كيف يمكن أن يصل عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا لهذا الرقم على رغم أن هذا البلد كان في العام الماضي على رأس الدول المصدرة للبضائع؟.

منذ أن تم الكشف عن رقم جيش البطالة زاد الضغط على حكومة الائتلاف الاشتراكي الأخضر. في مايو/ أيار المقبل سيتوجه الناخبون في ولاية شمال الراين وستفاليا إلى صناديق الاقتراع وهذه أكبر ولاية يبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة بينهم أكثر من مئة ألف عربي. إذا خسر الاشتراكيون والخضر هذا المعقل المهم للمسيحيين الديمقراطيين يكونوا قد تعرضوا لأسوأ هزيمة منذ أن أطاحوا بحكومة المستشار السابق هيلموت كول. ويتفق المراقبون على الرأي بأن هذه الهزيمة ستمهد لسقوط الحكومة في الانتخابات التشريعية المقررة في العام 2006 المقبل. قبل ذلك يكون الاتحاد المسيحي المعارض قد ضمن لنفسه ثلثي عدد الأصوات داخل مجلس الولايات "بوندسرات" السلطة العليا للبرلمان الاتحادي.

من يمر هذه الأيام أمام "الرايخستاج" مقر البرلمان الألماني وأمام مقر المستشارية ومؤسسات الحكومة في شارع فلهيلم وسط العاصمة برلين، يحصل على شعور بوجود حركة هرج ومرج في الحي الحكومي وكيف أن السياسيين تستبد بهم العصبية وكأن ألمانيا مقبلة فعلا على تغيير حكومي. ولا يخفي مؤيدو حزبي الائتلاف الحاكم وجود أزمة خطيرة قد تقود إلى نهاية التجربة السياسية للحزب الاشتراكي وشريكه الصغير حزب الخضر. من أبرز العلامات على ذلك انتشار أجواء من التشاؤم زاد وقودها الكشف عن تجاوز عدد جيش البطالة حد الخمسة ملايين مع توقع ارتفاع متواصل قبل حلول فصل الصيف، وخسارة يوشكا فيشر الزعيم الخفي للخضر الألمان ووزير الخارجية مركزه كأكثر سياسي ألماني مقبول عند الألمان بعد أن حافظ على المركز الأول منذ تسلمه منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول العام .1998

وحل مكانه في هذا المركز رئيس حكومة سكسونيا السفلى، فولف، الذي ينتمي للاتحاد المسيحي الديمقراطي. وساهمت فضيحة التأشيرات بتراجع شعبية فيشر الذي سافر إلى "إسرائيل" ليشارك في افتتاح المزار الجديد لضحايا الهولوكوست وإجراء مباحثات مع أصدقائه الإسرائيليين وتنفس الصعداء لوقت قصير. وتشير عمليات استطلاع الرأي إلى تقدم المعارضة المسيحية الليبرالية على الائتلاف الاشتراكي الأخضر الحاكم ولو تمت الانتخابات العامة يوم الأحد المقبل لكتبت النهاية لحكومة شرودر.

في الغضون أصبح مؤيدو الحزب الاشتراكي يشعرون أن تمسك وزير الخارجية الأخضر بمنصبه ومساندة المستشار له على رغم الضغط الذي يشتد على فيشر بسبب كل ما ينشر يوميا بشأن مسئوليته عن فضيحة التأشيرات، يعجل في نهاية تجربة الائتلاف الاشتراكي الأخضر. في هذه القضية تحددت المواقف: الخضر يساندون فيشر لأن استقالته من منصبه يعني نهاية مشاركتهم في السلطة وخطر خسارة ثقة الناخبين. المستشار شرودر يقف لجانب فيشر لأنه يريد أن يحمي حكومته ولا يجد بين الخضر بديلا لوزير الخارجية الحالي. وهذا أيضا موقف فيشر الذي يعتبر أيضا أنه مهم لألمانيا أن يبقى في منصبه وهو بذلك يمنح نفسه وضعا خاصا. غير أن دعم الخضر وشرودر لوزير الخارجية الذي قال إنه يتحمل النتائج السياسية لفضيحة التأشيرات، لم يعلن بعد ما يعنيه طالما يحتفظ بمنصبه. في الغضون تصعد الصحف الكبرى حملتها على فيشر وتعتقد أن الأمر ضاق ذرعا بسبب تصرفاته التي تدل عن عجرفة.

وكتبت صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" قبل أيام تشير إلى أن السياسة الخارجية الألمانية ليست مرتبطة باسم فيشر. استقرت الصحيفة على الرأي أن اسم فيشر سيظل مرتبطا بفضيحة التأشيرات إذ لا تعرف السلطات الألمانية ولا سلطات دول أخرى موقعة على اتفاق تسهيل تنقل الأفراد ضمن أراضيها عدد الأشخاص من أوروبا الشرقية وخصوصا الذين حصلوا بسهولة لا توصف على تأشيرات دخول عملا بنظام تسهيل منح التأشيرات وافق عليه فيشر وأمر بأن يستمر العمل به على رغم ورود تحذيرات واحتجاجات من سفارات وقنصليات ألمانيا في عدد من الدول بعد ارتفاع عدد طلبات الحصول على تأشيرة بصورة صاروخية. كما أن عصابات تهريب الأفراد استغلت هذا النظام لتفرض هيمنتها على طوابير الانتظار وزادت مكاسبها المادية عبر طرق مختلفة.

كما تجاهل فيشر تحذيرات من عدد من وزراء داخلية الولايات الألمانية بأن هذا النظام يهدد الأمن الداخلي لألمانيا. أما مجلة "دير شبيغل" الواسعة الانتشار فإنها للأسبوع الثالث على التوالي أولت أهمية كبيرة لفضيحة التأشيرات وصعدت حملتها على فيشر وكأنها تطالبه بأن يتنحى عن منصبه. قبل أسبوع ذكرت "دير شبيغل" شرودر بما جاء في أول خطاب له للشعب الألماني بعد انتخابه في منصبه في أكتوبر العام 1998: إن هذه الحكومة لا تستحق أن يعاد انتخابها إذا لم تنجح في التغلب على أزمة البطالة. أشارت المجلة إلى أن عدد العاطلين عن العمل حين تسلم شرودر التركة الصعبة من كول كان أقل من أربعة ملايين عاطل. في الغضون تجاوز الملايين الخمسة. لكن هناك أمر لم تشر إليه وسائل الإعلام الألمانية بعد. إذ قال شرودر في ذلك الوقت أيضا لشريكه فيشر: سنستمر معا في الشراكة، إما نفوز بالحكم معا وإما نخسر معا. بعد انتخابات ولاية شمال الراين وستفاليا قد تبقى زجاجات الشمبانيا صامتة في الحي الحكومي في برلين وعلى الأرجح أيضا بعد الانتخابات التشريعية العامة .200

العدد 926 - السبت 19 مارس 2005م الموافق 08 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً