الصحافة هي سلطة رابعة وفي العالم العربي تحولت في لحظة من اللحظات إلى مفرزة أمن تتحرك وفق عقلية أمنية استئصالية تمارس دور الوشاية والسلب العلني والضرب تحت الحزام لهذا كنا في السابق لا نصدق فيها حتى صفحة الوفيات. الصحافة في الدول الغربية تسقط حكومات وطالما نزعت ثياب بعض الوزراء الفاسدين في الغرب فلم تبق عليهم حتى ورقة التوت ولعل سقوط حكومة نيكسون في السبعينات واحدة من عشرات. والصحافة بإمكانها أن تحرف الرأي العام وتنحدر به نحو منزلق شوفيني أو عدائي فتعمل على تكريس ثقافة الكراهية. الصحافة اليوم في البحرين أصبحت أكثر صدقية لأنها تنتقد بمسئولية وتعمل على مدح من يستحقون المدح من مسئول هنا أو وزير هناك بمسئولية أيضا... لا أقول الكل ولكن النسبة مازالت جيدة وأفضل من السابق. والسؤال هو: لماذا الوزير يفسد في أي بلد عربي لأنه لا يوجد هناك من يمارس النقد الموضوعي بل هناك من يمارس التلميع الغبي من تلميع شارب الوزير إلى حذائه وحتى لو عطست عنزة الوزير يقال لها رحمك الله وهذا خطأ. الوزير الكفؤ يجب أن يرش يوميا بالعطور في الصحافة لأي إنجاز يقوم به والوزير الفاشل غير الكفؤ يجب أن يكون مادة دسمة تتغذى عليها الصحافة. التاريخ مليء بحكايات التلميع، فلنطبقها على بعض وزراء اليوم، وسنرى الحكاية ذاتها تعود. فعبدالملك بن مروان قالوا فيه إنه كان عابدا ناسكا، جالس الفقهاء، وذكر في "تهذيب التهذيب". أنه كان يقول في دعائه "يا رب إن ذنوبي عظيمة وإن قليل عفوك أعظم منها: فامح بقليل عفوك عظيم ذنوبي" ج6 ارجع إلى كتاب أكاذيب يجب أن تمحى من التاريخ. وورد في تاريخ الطبري ج8 أن هارون الرشيد كان يضع على رأسه قلنسوة مكتوبا عليها: غاز حاج. وفي تاريخ بغداد ج14 يذكر أنه إذا وعظ بكى، وفي تاريخ الطبري ج8 "أنه كان يوقظ ندماءه لصلاة الفجر قبل الصباح" وفي البداية والنهاية ج10 ورد "أنه كان يصلي في اليوم 100 ركعة إلى أن فارق الحياة وهو على هذا الحال". وورد في البداية والنهاية ج8 "أن معاوية كان يخطب في الناس وعليه ثوب مرقوع"، وفي كتاب الأمم والملوك ج5 ذكر "أن معاوية عند وفاته أوصى بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال". ولا غريب في الأمر فقد ألف كتاب قبل عدة أعوام اسمه "أمير المؤمنين يزيد بن معاوية" على رغم أن يزيد قتل الحسين بشهادة التاريخ وقتل بعض صحابة الرسول "ص"... هذه الصور من حرق البخور ومسح الجوخ ليزيد أو معاوية هي التي أفسدت النظام العربي في السابق.
ولماذا نتعجب حتى الحجاج ألف في حقه "الحجاج المفترى عليه"... عندما أقرأ التاريخ وهذا الرقص العاري أذكر كيف كان بعض مثقفي العرب يرقصون لصدام، وغالبية هذه المظاهر تجدها في العالم الشرقي لأن العقلية الشرقية تقوم على اليتوبيا والأحلام والأساطير والمبالغة في الحب والبغض.
أيام الفراعنة كان الناس يزحفون على بطونهم لكي يقبلوا رجل الامبراطور، وأيام الاسكندر كان اليونانيون يسجدون له، ومن تقاليد الهندوسية احتضان قدم الشخص كمظهر من مظاهر الاحترام... لقد أصبح إذلال النفس ثقافة... هل يتعجب من أن تجد بعض العواصم العربية ترفع صور صدام... إن عملية تصنيم الواقع مازالت مستمرة لذلك لن نخرج من دائرة التخلف السياسي، لهذا لابد من النقد لأنفسنا، لحكوماتنا، ولكن بأسلوب معتدل وثائقي غير عدائي يشهد لأي إنجاز وننتقد الأخطاء بالأسلوب الحسن.
عود على بدء، أقول، هناك صحافيون يريدون منا أن نمتدح أي وزير ولو كان غير كفؤ، وهذا أمر لا يمكن أن يقبله أحد لأن الوزراء بشر ويخطئون فيجب ألا نضفي عليهم هالة الأنبياء وفضائح الوزراء العرب تزكم النفوس في الوقت الذي يوجد وزراء وهم قلة يرفعون الرأس، وإليك الصور... وزير لبناني يسرق البقر... مسئولون في المغرب يتاجرون في مخدرات في فترة من الفترات، بعض المسئولين في الجزائر باعوا الناس في شهر رمضان لحم الحمير، في مصر تاجر متنفذ هرب من مصر بثروة تاركا وراءه 7 ملايين دجاجة فاسدة، في "إسرائيل" هناك تباع أعضاء الشهداء وعلى رغم ذلك هناك من الصحافيين من يمسك له وزيرا في كل يوم يرش عليه العطر ولو من باب إطفاء الروائح التي تزكم الأنوف. والسؤال لماذا لا تقوم الدولة بسحب كل الأراضي الكبرى التي منحت إلى بعض المتنفذين والتي تصل إلى مئات الأمتار... لماذا غاب البحر؟ لماذا لا يقدم أي مسئول فاسد إلى المحكمة وفي ذلك دعم للديمقراطية البحرينية الوليدة التي تحتاج منا الرعاية؟
لماذا لا يتم تشكيل مراقبة على الوضع الإداري والبيروقراطية في بعض الوزارات؟ لماذا نوابنا الأفاضل لا يفزعون فزعة واحدة متكاتفين لترسيخ مبدأ من أين لك هذا؟ لماذا يفزع بعضهم على المجتمع فجأة كوحش كاسر في صورة هستيرية وبغضب بلاستيكي مفتعل لكنه عند قضايا الفساد يصبح أليفا أنعم حتى من الحرير. طبعا، كتب التاريخ التي ذكرتها ليس كتابها بالضرورة يؤمنون بما كتبوا في كتبهم وتارة يكون الموقف من باب النقل فقط. في تقرير للأمم المتحدة يقول: يوجد في العالم 840 مليون نسمة يعانون من الجوع. وعلى رغم ذلك نقول ما قاله مصطفى أمين: "كل أخطاء الحرية أحسن ألف مرة من كل مزايا الاستبداد". دعونا نزرع الأمل
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 926 - السبت 19 مارس 2005م الموافق 08 صفر 1426هـ