العدد 926 - السبت 19 مارس 2005م الموافق 08 صفر 1426هـ

صداقة الغرب قيمة إيجابية

منصور محمد سرحان comments [at] alwasatnews.com

يتهجم البعض على دول الغرب والولايات المتحدة بشكل يومي من دون معرفة أن هذه الدول حققت الكثير للإنسانية. فحتى القلم الذي يكتب به والأوراق التي يسطر عليها كلماتها وجهاز الحاسوب وما يتبعه من طبع المادة من ذاكرة الحاسوب، جميعها من إنتاج الغرب، بل إن أدوات ومواد المنزل التي شيد بها مسكنه واستفادته من الإنارة والتكييف في حياته ووسائل النقل والاتصالات وتطور وسائل العلاج، وحتى العلم والمعرفة الحديثة هي من صنع الغرب.

إن العرفان بالجميل قيمة مجتمعية عظيمة، وإن أرباب العلم والمعرفة يجب احترامهم وتقديرهم والاستفادة مما توصلوا إليه من معرفة. ويجب النظر إلى الدول المتقدمة علميا نظرة إيجابية والاقتباس مما جنوه من ثمرة اجتهادهم وما توصلوا إليه من أسرار هذا الكون العظيم الذي خلقه الباري جلت قدرته.

فعندما بنت الأمة العربية الإسلامية حضارتها المزدهرة في عصور مختلفة، وكان الغرب يعيش حال تخلف، نظر إلى الحضارة العربية الإسلامية باحترام شديد ووجه أبناؤه حينذاك النقد اللاذع إلى دولهم على ما هم عليه من حال ضياع وتخلف مشين.

وتذكر زيغرد هونكه في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب" التقدم العلمي الذي توصل إليه العرب والذي كان من نتيجته تأليف الكتب في مجالات مختلفة وتأسيس المكتبات بمختلف أنواعها. فقد ذكرت أن مكتبة صغيرة بمدينة النجف في العراق كانت تحوي في القرن العاشر الميلادي أربعين ألف مجلد، بينما لم تحو أديرة الغرب سوى اثني عشر كتابا ربطت بالسلاسل خشية ضياعها. وتضيف هونكه أنه كان لكل مسجد في العراق مكتبته الخاصة، بل كان لكل مستشفى يستقبل زواره قاعة فسيحة صفت على رفوفها الكتب الطبية الحديثة الصدور، تباع لتكون مادة لدراسة الطلاب ومرجعا للأطباء. وأشادت هونكه بالتجارب العلمية التي أصبحت أمرا مألوفا في بغداد. كما أشادت بجهود العلماء والفلاسفة ورجال العلم واللغة والأدب في بغداد في تأليف الكثير من الكتب في مجال تخصصاتهم وحفظ معظمها في مكتبة "بيت الحكمة" في بغداد التي أسسها هارون الرشيد وطورها ابنه المأمون، وكانت مركز تجارب للعلماء. ووصف ول ديوانت في كتابه "قصة الحضارة" بيت الحكمة بأنه مجمع علمي ومرصد فلكي ومكتبة عامة. وعندما أسس الفاطميون مكتبة "دار العلم" في القاهرة ضمت في أوج ازدهارها مليوني كتاب تغطي معظم العلوم، مثل التاريخ والتراجم والأدب والفلسفة والرياضيات وعلوم الفلك والكيمياء والطب. وبهرت تلك المكتبة "جربرت فون أورياك" الذي ارتقى كرسي البابوية في روما سنة 999م باسم البابا سلفستروس الثاني وقال متحسرا: "إنه لمن المعلوم تماما أنه ليس ثمة أحد في روما له من المعرفة ما يؤهله لأن يعمل بوابا لتلك المكتبة، وأنى لنا أن نعلم الناس ونحن في حاجة إلى من يعلمنا، إن فاقد الشيء لا يعطيه". وفي الأندلس اهتم الحاكم المستنصر الذي تولى الإمارة في الفترة من 961م إلى 967م بالعلم والمعرفة وجمع الكتب، فأسس في قرطبة المكتبة المستنصرية وكانت من روائع العرب. ونعت رينهارت دوزي في كتابه "تاريخ المسلمين في إسبانيا" المستنصر بأنه فريد زمانه في جمع الكتب النادرة والثمينة. أما ألكسندر ستبتشفيتش فقد وصف الحاكم في كتابه "تاريخ الكتب" بأنه يحتل مكانة خاصة بين الحكام المتنورين العرب. وعندما نشطت الحياة العلمية والفكرية في إسبانيا وانتشرت المدارس في عهد الدولة الإسلامية، أرسل الأمراء وملوك الغرب مجموعة من أبنائهم ليتعلموا هناك اللغة العربية باعتبارها لغة العلم والمعرفة.

أما اليوم فقد انعكست الصورة وأصبح الغرب شعلة نشاط علمي وفكري، وأصبح المصدر المهم في صناعة التكنولوجيا والمعرفة، والتطور العلمي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والعمراني. وقام الغرب بغزو الفضاء الخارجي، وغاص في أعماق البحار والمحيطات، واكتشف خيرات الأرض من باطنها. كما نجحت الدول الأوروبية والولايات المتحدة في تأسيس الديمقراطية التي من خلالها نعمت شعوبها بالراحة والأمان والازدهار، وتخلصت من كل مصادر التخلف والجهل والتعصب، فأصبحت تعيش في دول تؤمن إيمانا شديدا باحترام الفرد وصون حقوقه، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص. إن مما لاشك فيه أن دول أوروبا والولايات المتحدة قامت بخلق الابتكارات المتنوعة والاكتشافات العظيمة، فتطور الطب على أيديهم، ما أدى إلى القضاء على الكثير من الأمراض الفتاكة وطال عمر الإنسان، ونجحت في تطوير الاقتصاد وخلق الرفاهية الاجتماعية، والاهتمام بنشر الثقافة، وكان ذلك عاملا فاعلا في خلق سياسة التسامح والوسطية المنشودة. إن علينا أن نكون واقعيين في تفكيرنا تجاه دول الغرب وأن نستفيد منها كما استفادت منا في فترة من فترات التاريخ، وهذا هو عين الصواب. أما أن ننظر إلى الغرب بعين الريبة والتوجس، ونعلق على مشجبهم كل مشكلاتنا في العالم العربي وفشلنا في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وإخفاقاتنا في المجال العلمي فإن ذلك لا يمت إلى الحقيقة بصلة. ويكفي أن نرى الشعوب الأوروبية مستقرة آمنة مزدهرة، تسارع إلى فعل الخير في مناطق بعيدة عنها من ناحية الجغرافيا والتراث والدين أثناء تعرضها للكوارث الطبيعية أو ما شابه ذلك.

وعلينا أن نقيس مساهمات الغرب في مساعدة الدول الفقيرة والمتضررة بالمساعدات التي تقدمها الدول الأخرى. إن صداقة الغرب لها قيمة إيجابية. وكيف لا وهي دول أصبحت تمسك بناصية العلم والفهم وهو ما تحتاجه البشرية لتطوير ذاتها وتفعيل مؤسساتها

إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"

العدد 926 - السبت 19 مارس 2005م الموافق 08 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً