العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ

بيروت - دمشق: الحرب بالتظاهرات والتظاهرات المضادة!

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

منذ عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق الشهيد رفيق الحريري، توجهت المعارضة في لبنان نحو عملية تنظيم التظاهرات والاعتصامات للتعبير عن مواقف ومطالب، بدأت في استنكار عملية اغتيال الرئيس الحريري، ثم توسعت الى المطالبة بالتحقيق في الجريمة، وكشف الجناة والمخططين، ثم اضافت الى ما سبق اهدافا سياسية منها المطالبة بسحب القوات واجهزة الأمن السورية من لبنان واخرى تتصل بالواقع السياسي في لبنان.

والتظاهرات والاعتصامات باعتبارها شكلا من اشكال التعبير عن المواقف، وعن حجم الذين يؤيدون هذه المواقف، دفعت تيار الموالاة اللبنانية إلى الانخراط في هذا الشكل من التعبيرات، فنظم حزب الله تظاهرته المعروفة في ساحة رياض الصلح لتكون نشاطا موازيا في مواجهة ما يجري في ساحة الشهداء الذي درجت المعارضة على الاعتصام فيه، وتسيير المظاهرات اليه منذ اغتيال الحريري.

وعلى رغم ان قيادات حزب الله في دعوتها الى تظاهرة ساحة رياض الصلح، أكدت انها لا تتوجه الى الداخل اللبناني، وانها لا ترد على مواقف المعارضة، بل هدفها الخارج لابراز موقف لبناني في رفض القرار الدولي 1559 باعتباره تدخلا في الشأن اللبناني، وللتعبير عن الشكر لسورية لما قامت به في لبنان ولأجل لبنان، فقد بدا ان قسما من اللبنانيين معنيون بتلك التظاهرة في شكلها ومحتواها، وخصوصا بعد ان اعلن زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله ان التظاهرات والاعتصامات ستستمر بالتنقل بين المدن والمناطق اللبنانية، وهذا يعني انها صارت اسلوبا موازيا لاسلوب المعارضة في التظاهر والاعتصام بما يتضمنه الامر من رسائل توجه الى اطراف داخلية وخارجية.

ويبدو، ان ما حدث في تظاهرة حزب الله حث جهات سورية على الانخراط في عمل مماثل، فدعت شركات الخليوي الجمهور السوري الى تظاهرة في دمشق هدفها اعلان التأييد للرئيس بشار الأسد وسياساته في وجه الانتقادات والضغوط التي تتعرض لها سورية، وهو هدف يفترض انه يوحد السوريين في موقفهم ازاء الخارج وخصوصا في مواجهة المواقف الاميركية - الاوروبية، التي تجعل من موضوع الوجود السوري في لبنان ومن القرار الدولي 1559 قوة ضغط على سورية، وبهذا المحتوى يمكن النظر الى اهداف التظاهرات الاخرى، التي جرى تنظيمها لاحقا في مدن سورية أخرى انطلاقا من حلب ثاني أكبر المدن السورية.

غير ان هدف التظاهر السوري الذي نظمته شركات الخليوي المقربة من السلطات كشف في اليوم التالي انه لم يكن موجها للخارج فقط، بل كان هدفه الاهم داخلي، ذلك ان "جهات" اختلطت في هويتها ما بين اتحاد الطلاب الذي تسيطر عليه الحكومة واجهزة الأمن واطراف اخرى، نظمت بدمشق تظاهرة في اليوم التالي لتظاهرة شركات الخليوي حاملة شعاراتها واعلامها نفسها، كان هدفها مواجهة تجمع سلمي لبضع مئات من نشطاء المجتمع المدني ومعارضين سياسيين واعضاء في منظمات حقوقية، اجتمعوا امام قصر العدل بوسط دمشق في اعتصام للمطالبة بوقف العمل بقانون الطوارئ المعمول به في سورية منذ العام .1963

وبخلاف ما كانت عليه تظاهرة الموالاة التي نظمها حزب الله في لبنان في مواجهة المعارضة اللبنانية من حيث اتخاذها ميدانا آخر غير مكان تجمع المعارضة تجنبا لاية احتكاكات، وبخلاف طابعها السلمي وشديد الانضباط، فقد جاءت مظاهرة المولاة السورية من عدة آلاف جلهم من المراهقين، توجهوا الى امام قصر العدل حيث اعتصام المحتجين على استمرار العمل بقانون الطوارئ، وبدأ متظاهرو الموالاة السورية برعاية وتوجيه رجال المخابرات، يضيقون على المعتصمين منفلتين من أي عقال سياسي واجتماعي واخلاقي، مسلحين بعصي بعضها علقت في اطرافها اعلام سورية، جرى استخدامها في الاعتداء على معتصمين آخرين موجودين في المكان بينهم صحافيون اجانب وسط سيل من السباب والكلام البذيء خلطوه بالهتافات التي كانوا يرددونها.

وعلى رغم انه من المبكر بعد رؤية نتائج الحرب في التظاهرات والتظاهرات المضادة في لبنان، فان التحول السوري الى تظاهرات الموالين في التعامل مع اعتصامات المعارضين ونشطاء المجتمع المدني وحقوق الانسان، يعكس نموذجا جديدا في الحياة السورية بين خلاصاته العامة، فتح الباب امام صراعات ومواجهات بين السوريين برعاية رسمية، وتجديد مبدأ ممارسة العنف في الحياة السورية الذي جرى تعميمه سابقا في ممارسات الاجهزة مع المواطنين، وهو يضيف الى ما سبق اعلان استقالة الاجهزة الامنية من وظيفتها في حماية المواطنين بغض النظر عن مواقفهم السياسية وتحولها الى قوة حماية وتوجيه لمجموعات من المراهقين و"الزعران" الذين لم يتورعوا عن ضرب سيدات وشبان صغار كانوا حاضرين في الاعتصام. ان ذلك يذكر السوريين، بما تم القيام به ذات يوم أسود، عندما دفع قائد سرايا الدفاع رفعت الأسد عناصره من الشبيبة للهجوم على النساء في شوارع دمشق ونزع اغطية رؤوسهن في سلوك قيل انه يستهدف "الاصولية الاسلامية"!

ان التحول السوري الى تظاهرات الموالين بما عبرت عنه تظاهرة الخميس، يستحق التوقف عنده من جانب المستويات السورية العليا، والتدقيق فيما جرى ودلالاته، ثم اتخاذ اشد الاجراءات بحق المسئولين عما حدث ومحاسبة الذين قاموا باصدار الاوامر والتعليمات لحصول ما حصل، لانه يصب في خانة تصعيد التوترات في الداخل السوري وزيادة حدة الانقسامات فيه وتحويلها الى اتجاهات عنفية في وقت تحتاج فيه البلاد الى تفاهمات سياسية سلمية تقود السوريين جميعا الى توحد وطني على قاعدة مواجهة تحديات سورية الداخلية والخارجية معا

العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً