العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ

الليبرالية الفاسدة...

كاظم عبدالله comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

"جمعت المدرسة أفضل الطلاب علميا، قال لهم المدرس/ تعرفون حادثة تسونامي؟ هناك من يقول إنها مشكلة طبيعية خاصة بالجيولوجيا والبراكين والزلازل. .. وما شابه، والآخرون يقولون إنها عقاب إلهي رباني على الكفار والعصاة، أكتبوا في هذا الأمر؟ كتب الطلاب وسلموا أوراقهم. النتيجة هي 85 في المئة من الطلبة المتفوقين، يرون أن الطبيعة لا دخل لها؟ وأن ما جرى عقاب رباني على الكفار...؟!".

يذهب الأستاذ كمال غبريال إلى أن الليبرالية في قالبها العربي، هي أقرب لأن تكون شكلا محضا، بأقل قدر من المحتوى أو المضمون، بمعنى أنها تمثل إطارا لا يحوي بداخله إلا القليل من العلامات الإرشادية، المكملة لطبيعة الإطار، وأرى شخصيا أن نقودات الجابري لليبرالية الجديدة هي جديرة بالاهتمام والمطالعة، إذ إنها مجرد ليبرالية جديدة مستوردة، كباقي المشروعات المستوردة "الاشتراكية، العلمانية التقليدية" والتي اتضح عجزها عن إقناع الشارع العربي بنفسها، كأطر سياسية أو ثقافية أو اجتماعية ناجحة.

وفي الوقت الذي يحاول فيه غبريال تشبيه الليبرالية الجديدة بكتاب قوانين لعبة كرة القدم، والذي يحدد أبعاد الملعب وتعليمات الحركة، التي تتيح الفرص المتكافئة لجميع اللاعبين، لكنه لا يحدد خطة اللعب أو أسلوبه، فالحقيقة أن هذه مغالطة كبرى، فالليبرالية المشوهة، والتي تروج لها الأسماء الليبرالية الكبرى هي في الحقيقة منظومة مكتملة، واكتمالها لا ينتج إلا الصدام المجتمعي في صورة يشوبها القلق والتجاذب السلبي. مكتملة بأفقها الغربي المستورد.

الليبرالية الجديدة العربية تحديدا، خاوية معرفيا، لذلك فهي ملزمة بما ألزمت نفسها من الإطارات والمضامين الغربية، وبهذا تكون مكتملة، لذلك هي دائما وأبدا في حالة صدام مع الواقع العربي. وما من أفق جميل لبقائها أو حتى اكتمال صورتها مجتمعيا. هي منظومة فاسدة معرفيا، نتاج ساسة لا مثقفين، نتاج جيل مشلول ومهزوم من السياسيين المعتقين الذين تلونوا بكل ما يأتي من الخارج، فقد كانوا شيعوعيين ثم قوميين أو بعثيين، وهم اليوم ليبراليون جدد.

سأحاول أن أستعرض الصورة في المنظومة التالية:

أولا: الليبراليون الجدد، لا يمتلكون قواعد معرفية جاهزة، فهم مضطرون الى الاعتماد على ذلك المنتج المعرفي الغربي، ولنا أن نلاحظ بوضوح كيف هي درجات القابلية في المجتمعات العربية لأي منتج غربي محض، لا يمكن لليبرالية الغربية أن تنجح في أي دولة عربية ما بقت عاجزة عن صناعة نفسها بنفسها، معرفيا وثقافيا وسياسيا، واجتماعيا.

ثانيا: المؤسسات الرمزية المسيطرة على المشهد الاجتماعي، تملك خطابا سياسيا لاهوتيا تاريخيا، يلعب في توجهات الرأي العام كالساحر في بلورته السحرية، يلونها كما يشاء. بمعنى أن هذه المؤسسات الرمزية - طبيعيا - لن تجد صعوبة تذكر في تشويه أي دعوة تحررية جديدة، كما نجحت في السابق في الإطاحة بالكثير من المفاهيم مثل الليبرالية في طورها الأول، والاشتراكية، والبعثية، والعلمانية، والحداثة... إلخ.

ثالثا: ثمة حماقة كبرى يرتكبها الليبراليون الجدد، وهم مازالوا على حماقتهم هذه منذ قديم الزمان، وهي محاولة تهميش الدين الإسلامي، وركنه كما ركن الغرب المسيحية. أقول، ما بقت الليبرالية تتعامل مع الإسلام بهذا الأفق فهي لن تنجح. فالدين الإسلامي بما يحمله من مخزون تشريعي وثقافي ومعرفي، يمثل حجر البداية لأي مشروع إصلاحي مقترح.

رابعا: ليبرالية إسلامية، لعل هذه الزاوية، تمثل الأفق المهجور والمنسي في حراكاتنا الثقافية. بمعنى أن المشروع الذي قد ينجح، هو اشتغالنا على تأسيس ليبرالية إسلامية، فكما يقول جورج طرابيشي "لن يوجد روسو مسلم، دون ظهور لوثر مسلم". ما الضرورة الحقيقية في محاربة الإسلام وكل رموزه من قبل كل منظور تجديدي تحرري تسعى إليه المنظومة السياسية المعارضة في الواقع العربي.

خامسا: المؤسسة الثقافية والمعرفية العربية، تعاني من مشكلة غير تقليدية، وهي العجز عن "الثقافة والمعرفة"، ثمة وهم بأننا نكتب كثيرا، وأننا نطيل القضايا والحوارات، والحقيقة أن مجمل الإنتاج الثقافي والمعرفي والفني العربي لا يزيد على 0,05 في المئة من مجمل الإنتاج الثقافي العالمي. نحن مجتمعات استهلاكية، وعلاقتنا بالثقافة والقراءة علاقة سلبية، أكثر ما يزور شبابنا في الإنترنت، هي تلك المواقع الإباحية ومواقع التشات، بغرض الاصطياد لفتاة ما، من هنا أو هناك.

سادسا: يذهب عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب، إلى رؤية في غاية الأهمية، وهي أن الأمة العربية قد فاتها قطار الديمقراطية، وأنها مهما حاولت أن تصبح ضمن منظومة الديمقراطيات العالمية، فهي لن تصل إلى شيء. هي تعيش حالة فصل ثقافي تاريخي معرفي مع الحرية والديمقراطية، لذلك هي عاجزة عن إجابة التساؤل الكبير الذي طرحه هنتنغتون ذات يوم للعرب "هل لديكم مشكلة ثقافية مع الديمقراطية؟ هل صحيح أن ثقافتكم تعيقكم عن الديمقراطية؟".

سابعا: نحن في أفق مراهنات غير متعادل، الديمقراطية التي نحلم بها، لا تنتج بالانتخابات فقط. فالحقيقة التي ندير وجوهنا عنها، هي أن الغالبية من المجتمع في حال خضعوا لنظام ليبرالي ديمقراطي، فإنهم سيأتون بالتكفيريين والمتشددين انتخابا حرا مباشرا. سعد الفقيه المعارض السعودي المعروف، يذهب الى تخيير الشيعة السعوديين بين ثلاثة خيارات لا رابع لها، إما التوبة؟ أو دفع الجزية؟ أو الخروج من بلاد الإسلام والمسلمين؟! كيف لنا أن نراهن على هكذا معارضة؟! والتي يفترض أنها البديل الديمقراطي.

راشد الغنوشي "الإسلامي المظلوم"

أتذكر أن كمال غبريال حين أرسل لي طالبا مني توقيع البيان الأممي لمثقفي العرب، والموجه إلى كوفي عنان، والذي كان يحتوي على المطالبة بمحاكمة دولية لما يسمى بـ "فقهاء الإرهاب"، أتذكر أني بادرت إلى القبول مباشرة. وبعد توقيعي، قام أحد الأصدقاء "الناقد البحريني حسين مرهون"، بلفت نظري إلى مسألة مهمة، وهي أن البيان الأممي - الذي وقعته عن حسن نية - كان يحتوي تلفيقا كاذبا ضد رجل الدين الإصلاحي التونسي "الغنوشي"، بل ان البيان افترى عليه كذبا، بما ليس فيه. وأرجعنا الأمر إلى العفيف الأخضر، لعداء مستفحل بينهما، أرسلنا إلى أحد الليبراليين الجدد الذين قاموا بالمشاركة في صوغ البيان، وهو "شاكر النابلسي"، لكنه لم يرد على استفهامنا، في تصرف غير مقبول أو مبرر.

في مثل هذه الصورة العدائية لأهم المكونات الثقافية العربية "الإسلام"، تكون الليبرالية الجديدة، عابثة بمصيرها، سائرة بصدق نحو النهاية، قبل أن تبدأ في دعوتها. وكما يذهب غبريال إلى أن "من حقك ليبراليا أن تعلن عن آرائك ومعتقداتك بكل الطرق، لكنك إذا دعوت للكراهية أو ممارسة العنف بين فئة وأخرى، فإن النتائج التطبيقية لدعوتك إذا ما وجدت رواجا، ستكون التصادم بين أفراد وفئات المجتمع، وهذا يخالف المبدأ الأهم "وربما الوحيد" في الليبرالية، وهو ألا تتعارض حريتك مع حرية غيرك".

ومن هنا لا يجوز لليبرالية الجديدة أن تشوه الصور الرائدة لبعض المشتغلين بالإسلام، من رجال الدين المتنورين. وهذا ما يجعل المرء يشكك بقوة، في مستقبل المضمون للشكل العام لليبرالية الجديدة في الوطن العربي. لا يمكن أن تحرق المراحل بهذا الشكل، ولا يمكن لنا القبول بتأسيس لليبرالية الجديدة بهذه الصورة غير المقبولة البتة.

لذلك أرى في ختام المقال، ان الليبرالية العربية، فاسدة قبل أن تبدأ... وأنها في الإطار الخارجي تمثل المضمون، وفي المضمون هي الإطار نفسه، لا فرق، فاسد يحيطه فاسد. التعليم والثقافة مفتاح أي إصلاح لا غير

إقرأ أيضا لـ "كاظم عبدالله"

العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً