العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ

لبنان في دائرة التدويل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لاتزال السياسة اللبنانية تدور ضمن معادلات داخلية تقرأ تداعيات الأزمة في إطار حسابات ضيقة. وهذا النوع من التفكير القصير المدى تسبب في إثارة مشكلات أمنية وحساسيات طائفية ومذهبية بينما قواعد اللعبة انتقلت خيوطها من البلد الصغير إلى أروقة مجلس الأمن ومصالح الدول الكبرى التي تتجاوز خططها حدود لبنان.

السياسيون اللبنانيون يناقشون الآن كل الأمور من فراغ دستوري وتشكيل حكومة وانتخابات نيابية وغيرها من قراءات تقوم على حسابات عددية في البرلمان أو الشارع. هذا الأسلوب في رؤية المعادلة الداخلية يعطل النظرة الشاملة إلى محيط البلد وما ستسفر عنه تلك المفاوضات الإقليمية التي تبحث الكثير من الأمور الجوهرية التي تتخطى الاختلافات المحلية. فالصراع اللبناني بعد صدور القرار 1559 تدول ودخلت أزمته خط المواجهة الإقليمية الساخنة. فالقرار الدولي أعاد ربط تلك المشكلات المزمنة في سياق أوسع ليس بعيدا عن تلك الاستراتيجية الأميركية الكبرى التي أسست واشنطن عناوينها بعد حصول ضربة 11 سبتمبر/ أيلول .2001

المسألة اللبنانية الآن لم تعد لبنانية بالمعنى السياسي المتداول اليوم بين القوى الفاعلة على تلك الساحة. والقرار 1559 يريد فك ارتباط لبنان بسورية من جهة ولكنه في الآن اشترط أو على الأقل أعاد ربط الأزمة الداخلية بسياق إقليمي أوسع حين أدخل البلد في مسألتين: الأولى تتعلق بحزب الله ودوره ومصيره. والثانية تتصل بالمخيمات الفلسطينية وما تعنيه من أبعاد إقليمية وقومية.

فك الارتباط من الصعب تحقيقه من دون ترتيب تلك الإجراءات المتعلقة بالمسألتين، الأولى: الخطر الإسرائيلي على لبنان وعدم قدرة الضمانات الدولية على حماية البلد في حال نجحت واشنطن في تفكيك حزب الله. والثانية: مصير الفلسطينيين وما يقال عن مشروعات وهمية تتراوح بين تسليم السلاح وتوطين سكان المخيمات وبين تفجير الوضع الداخلي ودفع الفلسطينيين إلى الاقتلاع والمصير المجهول.

المسألة إذا ليست بسيطة وتتجاوز كثيرا دور الأجهزة الأمنية وتدخلها في السياسة المحلية. هذا جانب من المشكلة وهناك جوانب أخرى تتجاوز حدود لبنان وإمكاناته، وهي على مجموعها تتصل بالعمق الإقليمي للبلد والهجوم الاستراتيجي الذي تشنه الولايات المتحدة على المنطقة منذ 11 سبتمبر.

ضربة سبتمبر حدثت في ظل إدارة أميركية متطرفة تملك أدوات قوة ومشروع سيناريوهات متناسلة لتقويض "الشرق الأوسط" لضمان أمن "إسرائيل" وتأمين منابع النفط وإمدادات الأنابيب وصولا إلى إعادة النظر في خريطة المنطقة وتشكيلاتها السياسية. هذه النظرة الشمولية غائبة عن تفكير معظم السياسيين اللبنانيين. فبعض هؤلاء لا يقرأ الإطار العام لتداعيات الأزمة منذ التمديد لرئيس الجمهورية وصولا إلى اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري.

القراءة العامة توضح الكثير من التفصيلات الصغيرة وتضع الأزمة المحلية في سياقها الإقليمي "التعريب" والدولي. ومسألة التدويل التي بدأت بصدور القرار 1559 ليست حادثا عابرا وإنما محطة خطيرة أدخلت الأزمة في سلسلة فقرات تعيد ربط المشكلات المحلية بمظلة دولية تقودها الولايات المتحدة التي تملك مشروعها الخاص والمستقل عن دائرة تطلعات الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي وروسيا.

الولايات المتحدة هي المستفيد الأول من تلك التداعيات بغض النظر عن تلك الأخطاء المدمرة التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية في لبنان وتفكيرها المحدود والبسيط ولا تقرأ السياسة من منظار استراتيجي يتجاوز حدود البلد. فأميركا تستغل تلك الأخطاء والتداعيات المدمرة التي نتجت عنها من التمديد إلى الاغتيال لتعيد إدراجها لتخدم قواعد اللعبة الدولية التي تقودها واشنطن. وهذه القواعد اختلفت عن العهود السابقة حين قرر البيت الأبيض الانتقال من سياسة الاعتماد على القوى الإقليمية والوكلاء إلى استراتيجية الهجوم المباشر وتركيز القوات في مناطق ممتدة في طول "شريط الأزمات" المنبسط بحسب رؤية جورج بوش من أفغانستان إلى المغرب.

اختلاف قواعد اللعبة قاد إلى تغيير أدوات الصراع فتحولت تكتيكات واشنطن من سياسة كامنة إلى استراتيجية مفتوحة انكشفت أهدافها الإقليمية واللبنانية بعد نجاح البيت الأبيض في إنزال قواته في بلدين: أفغانستان والعراق.

هذا التطور الانقلابي يجب أن تقرأ القوى السياسية اللبنانية أبعاده ومخاطره. فما حصل ويحصل في لبنان ليس من أجل سيادته وإنما لتمرير ما هو أكبر من تلك الحسابات المحلية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً