كان وكيل وزارة الإعلام صرح في اجتماع عقده بمكتبه مع رئيس وأعضاء جمعية البحرين لوكلاء السفر والسياحة في شهر أغسطس/ آب الماضي أن وزارته "تعكف على دراسة إعادة ترميم مدافن عالي التاريخية وتحويلها إلى معلم سياحي يضاهي في حلته الجديدة المعالم السياحية الدولية".
أخذت هذا النص حرفيا مما نشرته الصحافة المحلية وخصوصا فيما يتعلق بتصريحات بشأن مدافن عالي التي حاليا تجرفها الجرافات، أي انها لن تحول إلى أي معلم سياحي بل إن أمرها في طريقه إلى زوال!
هذا التصريح الذي جاء على لسان الوكيل كان مجرد فقاعة هواء كغيره من التصريحات التي يطلقها هو وغيره من المسئولين في الدولة بما فيها موضوع احتفالية مرور خمسين عاما على اكتشاف حضارة دلمون في البحرين التي هي الأخرى طمست وردمت في الأدراج لمن لا يكترث بتاريخ هذه الجزيرة.
لن نجامل هؤلاء المسئولين وأمثالهم أكثر من اللازم، فهم بشكل أو بآخر ساهموا في القضاء على بعض مواقعنا التاريخية غير آبهين... لكن يكفي بأن الأجيال المقبلة لن تذكرهم خيرا في ذلك في حكاياتها وكتبها عن البحرين.
اليوم تطمس مدافن عالي وتنتهك حرمة الأموات من دون احترام لتبنى عليها فلل المتنفذين وكان قبلها مناطق أخرى شيدت عليها مدينة حمد والحجر وحاليا بر سار.
فهؤلاء ممن يقترفون جرائم بحق تاريخ حضارة دلمون كل يوم وكل دقيقة لا يأبهون سوى بملء جيوبهم... فهم حاقدون على هذه الأرض وتاريخها.
كيف يغير اسم "عالي؟"، ولماذا علينا أن نقبل بتجزئة التاريخ وتحويره أو تهميش أجزاء منه؟
أيحدث ذلك لأننا حتى الآن لا نملك جماعات ضغط لحماية الآثار وأخرى لحماية البيئة؟
إن كنا نملك مرسوما يتيما لحماية الآثار صدر في العام ،1995 إلا أنه لم يفعل ولو مرة... حتى اللافتات التي كتب عليها ممنوع التخريب أو أخذ الرمل ...فلا أحد يبالي، فقد وصلتها يد التخريب بالخرسانات المسلحة...
لن نصفق بعد اليوم لإنجازاتنا العمرانية التي حولت جزيرتنا الخضراء إلى جدران اسمنتية صلبة ومساحات متصحرة تصارع فيها نخيلنا المتهالكة وآثار ومدافن أجدادنا وأسلافنا الدلمونيين... الذي للاسف يضحك البعض إن قلنا ذلك، لكن إن قمنا بتجربة صغيرة على حمض "دي.ان.آي" من بقايا عظام هياكل مدافن الدلمونيين لوجدنا أن أحفادهم موجدون بيننا في قرى مثل باربار وسار.
هذا كلام ليس بجديد، فقد كرر في أكثر من مناسبة وفي أكثر من كتاب من قبل المؤرخين وخبراء الآثار الأوروبيين وآخره مع المؤرخ ورئيس جمعية الصداقة البريطانية البحرينية مايكل رايس عندما التقيته منذ أيام في لندن.
فهؤلاء الأوروبيون لديهم غيرة وعشق لتاريخنا الدلموني أكثر من أهل البحرين أنفسهم، ويكفي أن نقول بأن لهم الفضل في اكتشاف دلمون وحضارات أخرى منسية.
في جزيرتنا التي اليوم قطعت إلى أجزاء لا تعد ولا تحصى للمنتفعين والحاقدين على تاريخ لا يمت بصلة الى اهتماماتهم بسبب ثقافتهم غير المتحضرة... وهذه قد تكون رسالة نوصلها إلى اليونسكو وإلى المهتمين للحال التي وصلت إليها آثارنا من دون حماية... فمن ينقذ آثارنا؟
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ