العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ

متى سنتوقف عن تدمير التراث الإنساني؟

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في الأسبوع الماضي كنت في لندن لحضور أحد المؤتمرات المعنية بالإصلاح في الشرق الأوسط وكان فرصة ثمينة للترتيب من أجل اللقاء بشخص قرأت بعض ما كتبه عن البحرين، وهو رئيس جمعية الصداقة البريطانية البحرينية مايكل رايس الذي مثل مصالح البحرين في لندن منذ العام 1962 حتى الاستقلال في . 1971

بالنسبة إلي فإن أي شخص كتب كتابا عن البحرين يعتبر ثروة معرفية، فكيف بشخص كتب عدة كتب وارتبط اسمه ببعض البحوث القيمة عن تاريخ البحرين القديم. ولكني عدت إلى البحرين وإذا بالأخبار تتواصل عن جرف مقبرة عالي التاريخية، وهي أخبار تدمي قلوب من يعرف قيمة الآثار وعظمة تاريخ بلادنا. وهذا ما سمعته أيضا من مايكل رايس الذي قال إنه لو كان ما لدى البحرين متوافرا لبلاد أخرى لحولوا هذا التراث الإنساني الى قبلة يتوجه إليها الناس من كل مكان.

رايس أشار إلى أن علماء الآثار الذين اجتمعوا في البحرين في العام 1983 أشاروا على الحكومة بضرورة تشييد قبة على "معبد باربار" لحمايته، وإذا كانوا لا يودون بناء القبة فإن الأفضل دفنه لكي لا تدمره الحرارة والرطوبة والأمطار والأجواء المحيطة به.

رايس قال أيضا انه جهد كثيرا لإقناع الهيئات الرسمية في الستينات من القرن الماضي لإنشاء متحف للحفاظ على ما كانت بعثات التنقيب تكتشفه باستمرار، واحتاج إلى نحو عقد من الزمان لكي يبادر المسئولون بإنشاء نواة لمتحف يجمع ما تم اكتشافه من آثار.

لا أستطيع أن أفهم لحد الآن لماذا كانت "قلعة البحرين" ستندثر لولا تدخل الفرنسيين خلال الأعوام الماضية، ولا أعلم لماذا تم تأجيل الاحتفال بذكرى مرور خمسين عاما على اكتشاف حضارة دلمون على يد الدنماركيين. فلقد كان من المخطط له ان يقام الاحتفال في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلا أنه أجل إلى فبراير/ شباط الماضي، ومن ثم اختفى ذكر الاحتفال ولم نسمع شيئا عنه.

لقد كان من المؤمل أن تستعد البحرين لاستقبال خبراء اليونسكو منتصف هذا العام ضمن السعي الذي بذله بعض المتخصصين في الآثار لتسجيل قلعة البحرين في سجل التراث الإنساني لدى اليونسكو، وبالتالي الحصول على الدعم والحماية الدوليين. ولكنني لا أعتقد أن الخبراء سيجدون الترحيب بهم ما دامت سياساتنا قائمة على أساس دثر الآثار، وما دامت المحافظة على أجزاء منها إنما حصلت بفضل اهتمام غير البحرينيين الذين يكتبون ويصرخون من أجل حماية آثارنا منذ عشرات وعشرات السنين.

هذه التساؤلات كانت في ذهني وأنا أودع مايكل رايس بعد المقابلة في لندن. فبعد المقابلة مشيت إلى تقاطع "الهايد بارك"، إذ يوجد ما يطلق عليه بـ "ماربل آرج"، وهي البقعة التي كان يقتل فيها البريطانيون المحكوم عليهم بالإعدام قبل مئات السنين، وكان الناس يتجمهرون للمشاهدة. استرجعت تاريخ هذه البقعة وقارنتها مع الحاضر وكيف حولها البريطانيون إلى واحدة من أهم المناطق السياحية. أما الجماهير التي كانت تتجمع لمشاهدة الإعدامات فهي مازالت تتجمع بالقرب من البقعة للتسوق أو للتحدث في "ركن المتحدثين" في "الهايد بارك" من أجل التعبير عن نفسها من دون الخوف من المشانق والمقاصل، وبذلك يتذوقون معاني الحياة.

هناك أمة حولت مكانا للإعدام الى بقعة سياحية، ونحن نحول أهم ما لدينا من آثار تعود الى آلاف السنين الى مناطق خاصة ومحظورة وندمر التراث الإنساني ونقتل معاني الحياة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً