العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ

علي "ع" ودهاقنة الأنبار

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بعد أن دانت الجزيرة العربية للرسالة المحمدية، امتد الفتح الإسلامي إلى شمال جزيرة العرب، من اليمين ما تبقى من أشلاء الامبراطورية الفارسية في العراق، ومن الشمال ما تبقى من نفوذ الامبراطورية الرومانية في الشام، ودخل الناس في دين الله أفواجا. وظلت المنطقتان تابعتين للسلطة المركزية في المدينة المنورة خمسة وعشرين عاما، حتى انتقل الثقل السياسي إلى العراق، حين اتخذ الإمام علي "ع" الكوفة عاصمة للدولة لضرورات عسكرية واستراتيجية كبرى في ذلك الصراع الدامي مع قوى الفتنة والانحراف.

في إحدى المرات، كان الإمام علي "ع" في طريقه إلى الشام، فلقيه دهاقين الانبار "زعماء القوم" فترجلوا له نازلين من على ظهور خيولهم وأسرعوا يمشون بين يديه، فقال "ع": ما هذا الذي صنعتموه؟ فقالوا: خلق منا نعظم به أمراءنا. فقال: "والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم! وإنكم لتشقون به على أنفسكم "في دنياكم"".

لو كان هناك حاكم آخر، لاستزاد من الزعماء وعلية القوم مثل هذا السلوك وشجعهم عليه، ولطالبهم بالمزيد من الخضوع والتذلل وإظهار علامات الهوان والمسكنة ليرضي غروره، ولكن عليا رفض أن يتكلف له الآخرون، فهو غني بنفسه ومبادئه وميراثه الروحي العميق. ومن هنا رفض المعاملة المتكلفة التي يشقون بها على أنفسهم، استمرارا لتقليد ورثوه من أيام حكم الأكاسرة المستبدين.

قبل 1450 عاما، رفض علي "ع" ممارسة كانت مألوفة واعتيادية في ذلك العهد، وظلت مألوفة أيضا لدى الكثيرين حتى اليوم في مجتمعنا المعاصر، ونحن في مطلع الألفية الثالثة. ولكن لو جاء اليوم في سيارة أو طائرة، هل تراه سيقبل أن نحمل سيارته أو نزحف إلى طائرته؟ لو جاء اليوم هل سيرضى ببعض طرق التعبير عن حبه؟ وهل سيقبل ابنه الحسين الشهيد "ع" ضرب الرأس بالسيف أو المشي على الجمر للتعبير عن الحزن على مصابه الفاجع؟ وهل سيقبل حفيده غريب طوس، عزف الآلات الموسيقية أمام ضريحه كل يوم؟ وهل سيقبل دخول بعض العوام إلى مرقده زحفا على البطون للتعبير عن حبهم له؟ وهل من الصحيح اعتبار هذه التقاليد "الشعبية" تحديدا، جزءا من العقيدة التي تستوجب الدفاع عنها، بينما هي في نظر الأقوام والشعوب الأخرى من مظاهر التخلف الموجبة للنفور والاستهجان؟ وهل ننتظر الآخرين، شرقا وغربا، ليصححوا لنا أخطاء العوام التي تزحف للسيطرة على جزء من ساحة الحياة والعقيدة؟ وهو ما أشار إليه السيد عبدالله الغريفي في لقائه المفتوح قبل ليلتين بمأتم مدينة عيسى بأن من واجب العلماء تقويم الممارسة، وأن "أبناء الطائفة أولى بنقد ممارساتها".

لن يشكك أحد في النوايا، لا في نوايا دهاقنة الأنبار ولا في نوايا العوام الداخلين زحفا، ولن يشكك أحد في المشاعر الصادقة وعمق الإخلاص، لكن من ينظر إلى الصورة الكلية التي تشوهها هذه الممارسات، يتساءل: ما العمل؟ وأين الطريق؟

المسئولية ليست فردية، والإصلاح لا ينحصر في جانب السياسة وحدها على رغم أهميتها القصوى في حياتنا وتأثيرها على لقمة عيشنا وتدخلها في كل جوانب معيشتنا، ولكن علينا أن ننتبه للجيوب الأخرى "الداخلية" التي تنتظر الإصلاح... وهي مسئولية الجميع، وفي المقدمة العلماء ورجال الدين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً