العدد 923 - الأربعاء 16 مارس 2005م الموافق 05 صفر 1426هـ

هل يؤسس غياب الحريري لتيار في السياسة اللبنانية؟

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

في اتون الحدث الإجرامي الذي ذهب ضحيته رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وعدد من رفاقه، لم يكن بالمستطاع التوقف والسؤال عن مستقبل "الحريرية" بعد غياب مؤسسها، ذلك ان حرارة دم الشهداء، وثقل ما اصاب اللبنانيين، وما احيط به الحدث من تداعيات لبنانية وإقليمية ودولية، كانت في جملة الاسباب المؤجلة للسؤال، على رغم انه سؤال لابد منه وخصوصا ان الاجابة عليه، لا تتعلق بالحاضر بما فيه من تداعيات ساخنة في تأثيرها على الأوضاع الداخلية وفي علاقات لبنان مع محيطه ولاسيما مع سورية، بل تتصل الاجابة عليه بالمستقبل، وبصورة لبنان في لوحته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي علاقاته الاقليمية والدولية.

والحريرية إذا اردنا لها اختصارا، تمثل في الجانب العملي منها عصامية الإنسان وسعيه لتغيير مصيره ومصير الذين حوله، وهي في الجانب الإنساني رغبة في فعل الخير وتعميمه بالمعنى العميق للكلمة بما يتوافق مع المثل الصيني المعروف "بدل ان تعطي الجائع سمكة، اعطه سنارة وعلمه الصيد"، وهي في الجانب الاقتصادي استغلال إلى الحد الاقصى للموارد والإمكانات في اطار عملية تطوير اقتصادي - اجتماعي، اما في الجانب السياسي الذي يتوج المعاني السابقة، فالحريرية هي اطار للجماعة الوطنية، التي ترى نفسها فوق الانقسامات الدينية والطائفية ونحوها، من دون ان تعني إلغاء تلك التقسيمات بما تتضمنه من تنوع، هو سمة لبنانية، وسمة حضارية لإقليم يقع فيه لبنان، ترى الحريرية، انه لابد من الحفاظ على مستوى ممتاز من العلاقة مع شعوبه وبلدانه.

ولأن الحريرية في هذا المستوى من الفهم السياسي الرفيع، فقد كان التوافق والاتفاق أحد سماتها الأساسية مترافقين مع تأمين الحد المطلوب من الحقوق والحريات الديمقراطية، التي تتيح للجمهور وللقوى الاجتماعية والسياسية التعبير عن نفسها، وتوفير مستوى من الحركة والفاعلية في التوافق والاتفاق مع الآخرين للتعامل مع الحاضر وصوغ المستقبل، وهو ما حول الحريري إلى شخصية لبنانية، تجاوزت الاطار الذي جاءت منه.

والتعبيرات العملية لملامح الحريرية، يمكن التقاطها بصورها البسيطة من السيرة الشخصية والعامة للرئيس الراحل، وحاول فعلا ان يكرس تلك التعبيرات في بنى ومؤسسات يمكن اعتبارها تجسيدا للحريرية، والابرز فيها على الصعيد الاجتماعي مؤسسة الحريري، وعلى الصعيد الاقتصادي مؤسسات منه اوجيه لبنان، وعلى الصعيد الإعلامي مجموعته الإعلامية بما فيها من إعلام مقروء ومسموع ومرئي، ومن الناحية السياسية تيار المستقبل وفيه الكتلة البرلمانية، التي تحمل اسمه، اضافة الى تجربته في الحكم التي امتدت سنوات طويلة.

لقد استطاع الحريري بما كان عليه من قدرات، ان يجمع في شخصه وفي فكره ويده كل تلك الخيوط، بل وان يجعلها متناغمة في توافقها وأدائها معا، لكن هذا الأمر، اختلف بعد غياب الحريري، والسبب في ذلك، يتعلق باعتبارات موضوعية وذاتية، أكثر مما يتعلق بنوايا وقدرات الذين ورثوا الحريرية من بعده، وهم الذين عبروا عن إصرارهم في التمسك بما تركه الحريري من أفكار وتوجهات سواء على مستوى العائلة، أو على صعيد كتلة الحريري في تيار المستقبل التي أكد اركانها انهم مستمرون على خط الحريري وإيماناته الفكرية والسياسية ونهجه.

لقد أعلن بيان باسم عائلة الحريري وعدها "أننا سنبقى في صميم العمل الوطني والقومي، كما نعلن تمسكنا بخطه السياسي المتمثل بتيار المستقبل وبالثوابت الوطنية القائمة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته، وبالمبادئ والقيم التي التزمها وناضل في سبيلها ودفع حياته ثمنا لها". وأضاف البيان "سنسير على الطريق التي رسمها في مجال الأعمال الخيرية والاجتماعية والتربوية والصحية والتنموية وفي سائر المؤسسات التي امتد اليها الأفق الواعد الذي فتحه"، وهو كلام يتوافق مع غالبية ما قاله أعضاء تيار المستقبل في البرلمان، والعاملون في المؤسسة الإعلامية.

غير ان هذا القول يحتاج إلى ترجمة واقعية وفعلية في الحياة اللبنانية والتي إضافة إلى تعقيداتها الخاصة، فإنها اليوم عرضة لتغييرات عاصفة، لا يمكن التنبؤ بها في ظل الاصطفافات الراهنة وامتدادتها الإقليمية والدولية، كما ان ترجمة إرادة السير على خطى الحريري محكومة بقدرات ورغبات المنضوين تحت راية الحريرية، وجاء كل منهم من سياق مختلف، وهم في كل الاحوال، لا تتوافر لديهم القدرات ذاتها في فهم الحريرية والتعبير عنها على السوية ذاتها، وهذا يدفع إلى البحث عن صيغة ما تحتضن الحريرية وتصونها، بل وتطورها على نحو ما كان سيفعله الحريري لو كان حيا على رأسها.

ان الطريق إلى تكريس الحريرية في الحياة اللبنانية، ربما هو بحاجة إلى خلق مؤسسة جامعة، مؤسسة تتجاوز المؤسسات المتخصصة التي اسسها الحريري من دون ان تلغيها، مؤسسة تظللها، وترسم معالمها السيرة الشخصية والعامة للرئيس الراحل بما كان له من تأثير عميق على لبنان ومحيطه العربي، وما كان يحمله ويؤمن به من توجهات اجتماعية وديمقراطية، جعلته فعلا شخصا مختلفا عن سياق النخبة السياسية اللبنانية، تلك النخبة التي قال الحريري في واحد من آخر حواراته، انه لا يسعى إلى تأسيس عائلة سياسية في اطارها، وهو أمر يدفع إلى تأسيس تجربة جديدة ومميزة في الحياة اللبنانية، تأخذ اسم الحريرية

العدد 923 - الأربعاء 16 مارس 2005م الموافق 05 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً