لعل جلسة النواب الاستثنائية التي ستعقد السبت المقبل، لمناقشة تعديل اللائحة الداخلية للمجلس المنتخب، ستكون الأكثر أهمية، من الجلستين الاستثنائيتين السابقتين، ذلك أنها ستناقش قضايا تتعلق بالرقابة على الحكومة، مثل حقي الاستجواب والسؤال، على رغم أنني من أصحاب الرأي الذي يقول بأن التشريع أولا، ثم الرقابة، وإذا كانت الحكومة ومجلس الشورى وبعض أعضاء مجلس النواب، وبعض من ينظر للخلل الدستوري القائم، يرون بأن الرقابة أولى، فاقترح أن يسند اختصاص الرقابة إلى المجلسين، وأن يظل التشريع حصرا على المجلس المنتخب، بيد أن ذلك أمر سترفضة السلطات دائما، وهي التي وضعت المعينين سيفا مسلطا على المنتخبين، يقوم بدور الكابح مقدما في تقديم أي مشروع، وإذا استدعى الأمر مفرملا حقيقيا، ولن تجعله سيفا مسلطا عليها.
في الواقع، يمكن وصف أداء النواب في الجلستين السابقتين بأنه سيء، لجهة عدم الحماس، والحضور العددي الذي بالكاد يغطي النصاب القانوني، وكأن لا إدراك ان جزءا كبيرا من الاضطرابات التي واجهت عمل المجلس تعود إلى هذه اللائحة.
قضى المجلس نحو خمس جلسات استثنائية في الدور الأول من انعقاده في مناقشة اقتراحات تعديل اللائحة، وخاض المجلس حربا مع الحكومة التي أخرت، كعادتها، إعادة المشروع إلى النواب، وكان ذلك أحد أسباب إسناد مهمة رئاسة اللجنة الوزارية لمجلسي الشورى والنواب إلى الوزير محمد بن مبارك آل خليفة بدلا من الوزير السابق محمد المطوع. وفي الدور الحالي عقدت اللجنة التشريعية جلسات مطولة في درس المشروع وإعداد تقريرها "المتوازن"، لا "الثوري"... وهاهو المجلس يضيع كل هذه الجهود بأدائه غير المقنع، فلم يظهر في موقع المدافع عن صلاحياته والمطالب بالمزيد، كما أخفقت الكتل في تقديم نموذج إيجابي على صعيد التنسيق بين أعضائها، في ملف محوري، إذ صوت كل نائب وفق تصوره الشخصي، بما يؤكد أن الكتل لا تمتلك تصورا عما تريد، باستثناء كتلة المستقلين المحافظة، التي تريد الحفاظ، في الأغلب، على السقف الراهن.
ويزداد الأمر سوءا بالنظر إلى عمق الخلافات بين الكتل، التي لم تعد متنافسة فقط فيما بينها، كما كان الوضع في الدور الأول، وإنما تعمقت الخلافات الشخصية والثانوية، لتنال الكتل من بعضها، بما يستهلك الجميع، ويشوه صورة البرلمان، لتخرج السلطة التنفيذية في صورة المحافظ على وحدة الصف الوطني!
ويبدو لي أن جزءا من هذا الخلل يعود إلى عدم تحرك جهة ما "اللجنة التشريعية، أو إحدى الكتل" بالدعوة إلى عقد اجتماع تنسيقي، لضمان حد أدنى من التوافق بشأن تعديل اللائحة.
ما يتضح من النقاشات والتصويتات، أن مقترحات اللجنة التشريعية التي يفترض أن تكون قائدة، وأن تدعم تصوراتها، تضرب واحدا بعد الآخر. فما أن يتحدث المقرر "يوسف زينل" عن مقترح ما، ويتحدث بعده الوزير عبدالعزيز الفاضل رافضا التعديل المقترح، ينبري عدد من النواب "أحيانا من كبارهم" بتقديم مقترحات "وسط"، بين الحكومة واللجنة، لتطيح باقتراح "التشريعية"، ليصفع رئيسها حمد المهندي على رأسه، لضياع جهوده وجهود زملائه، والذي يعني أن على المجالس المقبلة أن تجري تعديلات إضافية. "في مقال آخر سأشير إلى حجم التعديلات بمزيد من التفصيل".
الحكومة تردد طوال الوقت، على لسان الفاضل، أن اللائحة الداخلية تنظم عمل الحكومة ومجلس النواب، وهذا ما يجعله يطالب بأن يكون للحكومة حق تأجيل النظر في الموضوعات، وحق الحذف من المضبطة، وهي الحقوق التي أعطيت للحكومة حين كانت جزءا من برلمان ،1973 بيد أن الأمر الذي تغير الآن، وأصبحت الحكومة الآن "ضيفا" "حضوره ضروري من دون شك" في المجلس، ويمكن أن تنعقد الجلسات من دون وجودها.
صحيح أنه يمكن للحكومة أن تتحدث فيما تشاء، بيد أنه لا يجوز أن تتضمن اللوائح الخاصة بالنواب، خصوصا تلك التي تتخذ بالتصويت، أي بنود تعطي حقوقا للسلطة التنفيذية، وإلا كان لمجلس الشورى والمواطنين والصحافة حق أيضا، مادامت اللائحة تشير إلى هذه الجهات، وتنظم عمل المجلس معها.
الفرصة مازالت متاحة لاقرار تعديلات "متقدمة" تفتح الباب على مصراعيه في طرح الأسئلة، وتعيد استجواب الوزراء إلى الجلسات، وأمام الناس، لا في اجتماعات اللجان السرية، كما يمكن للمجلس إعادة التداول في المواد الأخرى التي صوت عليها بعد أن انتقص من الحق النيابي، أو لم يزد بالقدر الكافي، ومن بينها المواد المتعلقة بالحصول على المعلومات، وحقوق الحكومة "غير الشرعية"، وصلاحيات رئيس المجلس "المطلقة" أحيانا
العدد 922 - الثلثاء 15 مارس 2005م الموافق 04 صفر 1426هـ