العدد 922 - الثلثاء 15 مارس 2005م الموافق 04 صفر 1426هـ

"صوت المرأة"... هل يخرج من المطبخ مع الدخان؟

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

في كتيب صغير ولكنه مهم، يحدثنا الشيخ المرحوم يوسف بن عيسى القناعي، وهو رجل علم وسياسة، استطاع بحكمته أن يؤثر بأعماله وأفكاره في مسيرة الوطن الكويتي بعمق، ويساهم في مسيرة التطور في النصف الأول من القرن العشرين، يحدثنا عن قصة في ماضي الكويت الذي شهد جزءا منه، وربما كانت القصة قد وقعت في بداية القرن الماضي أو نهاية قرن قبله، خلاصتها أن أحدهم طرق باب جاره، في ذلك الحي المتلاصقة بيوته وضيق الطرقات في الكويت القديمة، فلما خرج إليه الجار مرحبا، قال له بنبرة جادة، عليك أن تغلق فتحة المطبخ المرتفعة في بيتكم والتي تطل على الشارع، فلما شرح له الرجل متعجبا، أن تلك الفتحة عالية وليست في متناول المرور الخارجي، وأنها مفتوحة حتى يخرج الدخان المتراكم من المطبخ إلى الخارج، وهو أي الدخان لا يضر أحدا من المارة، بل يتطاير إلى الأعلى، قال له الجار: "أعرف كل ذلك، ولكن مع الدخان يخرج صوت نسائك إلى الخارج!".

يدلل لنا المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى من هذه القصة، وهو من أوائل المستنيرين في الكويت، ان بعض ضيقي الأفق يتعصب إلى درجة اعتبار "صوت المرأة" عورة!

وتمر السنون وتخرج المرأة الكويتية إلى العمل في القطاع العام والخاص، وتتدرج على مقاعد الدراسة، وتصل إلى أن تعمل مديرة وسفيرة وصحافية وممثلة ومغنية، ومصممة أزياء ومضيفة في أسطول الطائرات، وطبيبة لمعظم الأمراض المعروفة، واختصاصية ومدرسة ومربية، ثم يأتي البعض بعد أكثر من ثلاثة أرباع القرن ليقول مجددا أن صوت المرأة عورة. وهنا وان اختلف المحتوى، فقد تشابه في اللفظ والرمز، وهو أن صوت المرأة السياسي، أي دورها في العمل السياسي ترشيحا وانتخابا غير مقبول، ويسرد القائلون بذلك عددا من الذرائع، لا تخرج عن منطق ذلك الرجل الذي احتج على فتحة المطبخ.

هل اليوم يشابه البارحة، بالطبع الإجابة بالنفي، فيومنا مختلف كل الاختلاف في المخبر وفي المظهر عن الأمس، في الوسائل التي نستخدمها وطرق المعيشة التي نعيشها، وفي الغالب سيأتي يوم ينظر أحفادنا إلى نقاشنا اليوم بشأن عدم تمكن المرأة من حقها السياسي، كمثل نظرتنا اليوم إلى طلب ذلك الرجل المتحمس، لقفل فتحة الدخان العالية، أي باستغراب يشوبه عدم التصديق!

إلا أن الصورة لم تكتمل بعد، فهناك وعي ناقص علينا أن نعترف به ونبحث في طرق ووسائل علاجه، ففي الربع الأول من العام ،2005 العام الذي يسري أمامنا كان هناك لقاء لعدد يفوق الخمسين من السيدات والآنسات الكويتيات ممثلات لأواسط المجتمع علما وسنا وقدرة، وكانت إجابتهم على موافقتهن أو عدم موافقتهن على الاشتراك في الترشيح والانتخاب ملفت للنظر، قالت الغالبية إنها ضد الفكرة من أساسها، بينما ردت الأقلية بأنها توافق على المساهمة في الانتخاب دون الترشيح، ولم ينته الأمر عند ذلك الحد من النقاش، فعند سؤالهن لماذا بنوا هذا التوجه، كانت الإجابات متقاربة، لأنه قالت كثيرات لا نستطيع أن نجاري مظاهر الحملات الانتخابية القائمة فلا نستطيع إقامة الولائم ونتناول الحديث الحر مع الناخبين في كل القضايا المطروحة، أو المرور على الوزارات "في حال النجاح" للتوسط لتشغيل أو نقل أو ترفيع بعض الناخبين، ما يريده منا ناخبونا، أو القدرة على التلاسن الحاد في النقاش داخل المجلس!

ما طرح يظهر ان هناك فهما خاطئا لدور النائب رسخته الممارسة السلبية القائمة على مر عقود من الممارسة، حتى أصبح حقيقة لا تقبل الجدل في ذهن الكثيرين على انه المقبول الذي يجب أن يمارس. لذلك قبل أن تأخذنا الحمية في الخوض في نقاش تمكين المرأة الكويتية من حقوقها السياسية ليصبح الأمر مظهريا، ولا يغوص في المضمون، والمشاركة السياسية، هي أم المشاركات الاجتماعية، وتطبيقها بالطريق الخاطئة والمنحرفة عن الطريق السليم لا يضيف إلا الشكل، وتبقى الممارسة كما هي عليه سطحية مفرغة من محتواها.

قبل أن أذهب بعيدا، لابد من التأكيد أن هناك أقلية فاعلة من النساء الكويتيات القادرات على دخول المعترك السياسي، بكل شروطه، إلا إن هناك عددا لا يستهان به من النساء، حتى من شابات في مقتبل العمر ترهبهن التجربة بل ويعزفن عنها، بسبب فهمهن الخاطئ لها، الذي ترسخ ثقافيا واجتماعيا وتوعويا، ما يقصر دورهن عن المساهمة الايجابية في هذا المجال المهم.

إن العقبات كبيرة وجدية، وتحتاج من الجميع إلى التفكير في معالجتها، ولو نظرنا كمثال إلى عدد النساء العربيات في المعترك السياسي اليوم، لوجدناهن حتى في الدول التي سمحت بممارسة المرأة لحقوقها السياسية منذ فترة زمنية طويلة نسبيا، أقل الأقلية، هو ذلك في مصر كثيفة السكان، وفي لبنان طويلة الممارسة النيابية، وفي الكثير من الدول العربية، بل إن المجلس النيابي اليمني فيه سيدتان لا يسمع صوتهما في الكلام أو المناقشة تحت قبة المجلس النيابي. وتقول لنا الأرقام ان 6,5 في المئة فقط من أعضاء البرلمانات العربية المنتخبة هن من النساء، في حين ان المتوسط العالمي هو 15,7 في المئة، لهذه الأسباب أخذت وتأخذ بعض الممارسات الديمقراطية بنظام " الكوتا"، أي تخصيص نسبة من المقاعد يتنافس عليها النساء فقط في الترشيح للمجالس النيابية، ذلك اليوم ليس قريبا في بلادنا، ولكنه بالتأكيد قادم في وقت ما لإصلاح الخلل.

أرجو ألا تفسر النيات بشكل سلبي، ويحاول البعض أن يفسر الكلام على غير ما قصد به، فلاشك ان حرمان المرأة الكويتية من حقوقها السياسية مثلبة آن لها أن تردم، ولاشك في أن المرأة الكويتية قدمت من التضحيات ما يتوجب على المجتمع تثمينه حق قدره، كما أن العاقل يلحظ أن هناك استحقاقا دوليا آن إنجازه، وهو استحقاق إنساني في الوقت نفسه.

إلا أن المقصود مما تقدم التأكيد على حقيقة أن المعركة التي تستحق الخوض هي ليست محصورة فقط في الحصول على الحق السياسي نفسه، المعركة هي في ترشيد العمل السياسي في البلاد ترشيدا آن أوانه، ويبدأ من طريق تعديل حقيقي في قانون الانتخاب وتوسيع عدد الدوائر الانتخابية لمنع المظاهر المرضية التي تتخوف منها المرأة والرجل في الممارسة السياسية.

أعرف عن يقين أن ليس كل من وصل إلى مقعد البرلمان يمارس ما تتخوف منه بعض النساء وبعض الرجال في الأمثلة السابقة، مثل التوظيف والتوسط واستخدام المال ونقل الأصوات والمنفعة الذاتية ولي نصوص القانون لتحقيق المصالح، إلى غير ذلك من المثالب المعروفة والمعطلة للعمل الحقيقي في التشريع والرقابة، التي هي صلب العمل النيابي، وطريق المجتمع الصحيح نحو التقدم. إلا أن المعروف على نطاق واسع أن تلك المثالب متوسعة في الممارسة، ومؤذية في التطبيق، بدليل أن الكثيرين في المجتمع يشكون منها مر الشكوى، والسلطة التنفيذية قادرة بمساعدة نفر من المخلصين من ممثلي الشعب، غير الراغبين في الحصول على مردود شخصي من مقاعدهم النيابية، بما فيه إعادة انتخابهم، أن يقيموا مجتمعين مضار هذه المثالب وتغيير مسارها لصالح مجتمع يمكن أن يطلق عليه حقيقة، لا مجازا انه مجتمع ديمقراطي.

كما أن هناك واجبا مدنيا من مؤسسات المجتمع المدني، وخصوصا النسائية، أن تصل إلى تجمعات النساء في الجامعات والمدارس للتوعية بأهمية دورهن في العمل السياسي المقبل، وليس حشدهن مثلما يحدث في الانتخابات الطلابية أو الجمعيات التعاونية والمهنية، إكمالا للصورة وطاعة عمياء، وجرهن للتصويت دون وعي أو اختيار حر.

صوت المرأة الكويتية في المقبل من الأيام مهم وحاسم لتطوير المجتمع، إلا أن المساوئ في الأهمية هو تفعيله بالشكل الصحيح، وإلا أصبح صوتا كالدخان في ذلك البيت العتيق من الكويت القديمة، يتبخر إلى أعلى من دون منفعة

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 922 - الثلثاء 15 مارس 2005م الموافق 04 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً