في العام 2002 أنشأت وزارة الخارجية الأميركية برنامجا وجهازا إداريا خاصا بالبرنامج الذي أطلقت عليه Middle East Partnership Initiative "MEPI"، أي مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط، وخصصت موازنة سنوية قدرها 29 مليون دولار، ارتفعت في هذا العام إلى 75 مليون دولار.
وفي يونيو/ حزيران 2004 وافقت الولايات المتحدة على تعديلات بقية دول مجموعة الثماني بشأن مبادرة "الشرق الأوسط الكبير"، وأعيدت تسمية المبادرة إلى "الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا" "BMENA"، وأوروبا أصرت على التسمية الجديدة "BMENA" لأنها تعتبر شمال إفريقيا منطقة مختلفة عن بقية دول المشرق، واعتبرت أن إضافة أفغانستان وباكستان إلى هذه المنطقة ما هي إلا توسيع لرقعة الشرق الأوسط.
وتحت مظلة مبادرة "الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا" تم تأسيس "منتدى المستقبل" الذي جمع ممثلين عن الحكومات وأصحاب الأعمال والمجتمع المدني في الدول المشاركة في المبادرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي في المغرب. وقد وافقت تلك الدول على عقد الاجتماع المقبل في ديسمبر هذا العام في البحرين، ولذلك فإن الأنظار تتوجه إلى وزارة الخارجية البحرينية ووزارة الخارجية البريطانية "التي تسلمت رئاسة مجموعة الثماني هذا العام" لمعرفة كيف سينعقد المنتدى، وما هي محتوياته، ومن سيمثل أصحاب الأعمال، ومن سيمثل مؤسسات المجتمع المدني خلال الاجتماعات المقبلة في المنامة.
كثير من المراقبين يشككون في المبادرتين، مبادرة الشراكة MEPI التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، ومبادرة "منتدى المستقبل" التابعة لمجموعة الثماني، ويستدلون بذلك على أن الموازنة ليست كافية لمشروع إصلاحي بالحجم الذي تتحدث عنه التصريحات الأميركية، وأن التمويل يركز على مشروعات ضعيفة، هنا وهناك، لدعم ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني. وفي حال نجاح أي من البرامج التي تدعمها MEPI فإن ردود الفعل من قبل الأطراف المتضررة جاهزة لاتهام هذا الطرف أو ذاك بالاتصال بالأجنبي. وهذا ما حدث في عدة دول عربية وأجنبية. وحتى في البحرين، فإن مؤسسة NDI التي تحصل على تمويلها من MEPI تعرضت للنقد على أساس أنها تتدخل في الشأن البحريني الداخلي.
هناك نظرة أخرى يطرحها المراقبون، وهي تقول إن مبادرات مثل MEPI ومنتدى المستقبل ستؤسس لمفهوم جديد وهو ضرورة مأسسة "التنمية السياسية" وشرعنة تدويل هذا النوع من العمل. ففي عدة بلدان توجد وزارات أو وكالات للتنمية الدولية "في بريطانيا توجد وزارة التنمية الدولية وفي أميركا توجد وكالة التنمية الدولية USAID"، وأن هذا الطرح بدأ يستقوي بعد "مؤتمر فيينا" عن حقوق الإنسان الذي طرح مفهوم "حق التنمية"، وحينها كان موضوع التنمية الاقتصادية هو الأكثر طرحا. ولكن مبادرتي أميركا للشراكة مع الشرق الأوسط ومنتدى المستقبل تطرحان البعد السياسي للتنمية وتربطان ذلك بالعلاقات بين الدول بهدف الوصول إلى سلم دولي قائم على مبادئ مشتركة.
المشككون في الطرح الجديد يرون أن ما تقوم به أميركا وبعض الدول التي تدخل معها إنما هو الهيمنة ونشر النفوذ من خلال مبادرات تحمل أبعادا سياسية قائمة على مفاهيم حقوق الإنسان والديمقراطية. وفي الوقت ذاته هناك البراغماتيون الذين يقولون إنه من الضروري الاستفادة من أية مبادرة تحمل مبادئ يسعى إليها الجميع.
بين هذا الطرح وذاك، يبدو أن رياح التغيير بدأت تهب فعلا على منطقة الشرق الأوسط، وسواء كانت هذه المبادرات موجودة أم غير موجودة، فإن إرادة المجتمع في هذا البلد أو ذاك بدأت تفرض نفسها على الواقع السياسي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 922 - الثلثاء 15 مارس 2005م الموافق 04 صفر 1426هـ