العدد 2400 - الأربعاء 01 أبريل 2009م الموافق 05 ربيع الثاني 1430هـ

الدَّمُ المُبْتَذَل

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أسبوع من الآن قُتِلَ عشرون عراقيا وأصيب نحو أربعين آخرين بجروح، بينهم نساء وأطفال، جرّاء انفجار سيارة مفخخة في منطقة الشعب شمال شرقي بغداد.

وفي الثامن من مارس/ آذار المنصرف أقدم انتحاري على قتل ثمانية وعشرين عراقيا، وجرَح ثمانية وخمسين. وبعد يومين اندسّ انتحاري آخر يرتدي حزاما ناسفا فَقَتَلَ ثلاثة وثلاثين عراقيا كانوا ملتئمين في لجنة للمصالحة الوطنية بأبو غريب.

وبعد أسبوعين قَتَلَ انتحاري بحزام ناسف أيضا سبعة وعشرين عراقيا وأصاب خمسين في مجلس عزاء حميد خدادات من مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني بمنطقة جلولاء شمال شرقي بغداد. إنه شهر الأضاحي في العراق.

هنا يُصبح الحديث عن الدم وحُرمته واجبا أمام ميزاب الدم المُبتذل، الذي يجري دون حساب. سَّحْلٌ وقتلٌ للناس كيفما اتفق. ولربما كان ذلك فعلا أتى به الناس في غابر الأيام، وجرى على مثله أقوام متعاقبة. جماعات إسلامية وأخرى غير إسلامية.

هنا أستحضر ما رُوِيَ عن الخوارج، حين اتّهموا ابن الخبّاب، قائلين له: إنك تتبع الهوى، وتُوالي الرجال على أسمائها، لا على أفعالها. فأخذوه فكتّفوه، ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حُبْلَى، فنزلوا تحت نخلٍ مُثمر، فسقطت منه رطبة، فأخذها أحدهم فلاكَها في فِيْهْ، فقال له آخر: أخذتها بغير حلّها وبغير ثمن، فألقاها؛ ثم مَرَّ بهم خنزير فضربَهُ أحدهم بسيفه، فقالوا: هذا فساد في الأرض، فلقي صاحب الخنزير (وهو من أهل الذمة) فأرضاه.

فلما رأى ذلك ابن الخباب، قال لهم: لئن كنتم صادقين فيما أرى، فما عليّ بأس، ما أحْدَثْتُ في الإسلام حدثا، ولقد أمنتموني؛ فأضجعوه وذبحوه، وأقبلوا إلى امرأته، فقالت: أنا امرأة، ألا تتقون الله، فأجهزوا عليها وبقروا بطنها.

هذا الفكر الخارجي الأرعن نُفِضَ عنه الغبار اليوم، واستُلّت أفهامه من أسوأ ما تمثّلت به جماعات الإسلام المنحرفة بحقّ من حالفها وخالفها في آن. وكانت هذه الدموية إحدى أهم الصفحات السوداء في التاريخ الإسلامي.

في الجزائر ومع مطلع التسعينيات، حين أُلغِيَت نتائج الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، تمثّل هذا الفكر داخل الجماعة الإسلامية المُسلّحة بزعامة زيتوني وزوابري، حين بدأت في قتل الناس بشكل جنوني.

لقد وضعت هذه الجماعة «الخارجيّة» هدفها كالتالي: النظام الجزائري هو حُكمٌ فاسد، يستند في قوّته برجال السياسة والجيش والشرطة. إذا السياسيون يجب أن يُقتلوا، ورجال الجيش أيضا والشرطة كذلك.

ثم زادوا عليه ووسّعُوا القضية، زوجات العسكريين ورجال الدرك وموظفي الخدمة المدنية بالدولة وأمهاتهم وآبائهم وأخواتهم وإخوانهم وأولادهم وأصدقاؤهم هم مشمولون بحكم الموت بالتّبع. لقد أعلنوا الحرب على ثلاثين مليون جزائري! والنتيجة 6040 عملية إرهابية، في بحر ثماني سنوات، ومئتي ألف قتيل!.

هُنا يُضرب كَفٌّ على آخر! إذ كيف يُمكن اختصار الأمور لهذه الدرجة؟! وكيف يُوضع الجهاد على خطى الجريمة البشعة؟! والأكثر من ذلك، كيف تُوجّه النّية وقوّة الشكيمة والعزيمة من مقارعة المحتل إلى سحل الناس في أسواق الخضار والحيوانات؟!.

هؤلاء الإرهابيون لن يحصدوا تعاطفا من أحد حتى لو رفعوا راية الجهاد ادّعاء. بل إنهم يدفعون المجاميع الصامتة لكي تحاربهم. فخطأهم مُركّب. من جهة هم يُمارسون القتل بلا حساب.

ومن جهة أخرى هم يُضيّعون بوصلة القتال من قتال المحتل إلى قتال الامتداد الأفقي للبشر. ومن جهة ثالثة هم يجهلون الطبيعة العشائرية للعراق، والتي تزداد عقدتها في اللحظات العاطفية، وأوقات الأزمات.

لن يستطيع هؤلاء أن يُزايدوا على أحد في رفض الوجود الأميركي في العراق. وأن يركبوا موجة المناهضة والمقاومة. ولن يستطيعوا أيضا أن يُبدّلوا في أخلاق القتال الأصلية، لأن معركتهم باختصار هي ضد الإنسان.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2400 - الأربعاء 01 أبريل 2009م الموافق 05 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً