العدد 2400 - الأربعاء 01 أبريل 2009م الموافق 05 ربيع الثاني 1430هـ

الطائفية ترسم صورة مجتمع المستقبل البشعة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في سياق جلسة حميمة ضمت مجموعة من المثقفين البحرينيين من أجيال مختلفة، طفت أوضاع التعليم وهمومه على سطح الموضوعات الساخنة المتداولة.

حاول البعض من الحاضرين، أن يثبت أن مستوى التعليم في السابق كان أفضل بكثير مما هو عليه اليوم، مستشهدا بحسن الخط، والقدرة على حفظ بيوت الشعر، والنجاح في كتابة خطاب طلب وظيفة، ومثلها الكثير من الأمور الأخرى التي كان يتقنها في السابق خريج المدارس الثانوية، ولم يعد اليوم، بوسع حملة شهادات البكالوريوس أن يقوموا بها.

لم أتوقف عند أي من تلك الاجتهادات بقدر، ما أدهشني قول إحدى الحاضرات عن اضطرارها لاختيار مدرسة لأبنتها، في مدينة لا تقطنها، معللة ذلك بأنها، أي السيدة «تنتمي إلى الطائفة الأقل» في المحافظة التي تقطنها، ومن ثم فهي تخشى أن «تتشوه شخصية ابنتها» نظرا لكون المدرسات من «الطائفة الأخرى».

وكانت ثقتي المطلقة في تلك السيدة، تجعل من روايتها فوق كل الشبهات. لكن لم يكن ذلك بيت القصيد. كما أن الهدف ليس توجيه اللوم أو كيل النقد لوزارة التربية لتقصيراتها أو عدم صرامتها في تطبيق المنهج الوطني العام الذي يفترض فيه أن يكون، في دولة تستمد قيمها ومواد دستورها من القرآن الكريم، منهجا فوق صغائر الطوائف، وأشمل منها مضمونا وشكلا.

ما يرغمنا على التوقف هنا، هو وصول هذا المستوى من التوجس إلى أذهان أمهاتنا ليصل بهن الأمر إلى تحديد خياراتهن التربوية وفقا لسيادة الطائفة التي سيلتحق أبناؤهن بمدارسها. هذا يعني، وفي أبسط الأمور، أن الشرخ العمودي الذي يشق وحدة المجتمع قد أصبح عميقا إلى درجة أنه بات قادرا على أن يرسم صورة المستقبل، بعد أن دمر إطارات الحاضر.

ليس هناك ما يعيب أن يكون هناك مدارس قائمة على ركائز دينية، فحتى نحن في البحرين، هناك مدارس مسيحية، يكاد أن يصل دورها إلى المستوى التبشيري، لكنها تبقى في نهاية المطاف مدارس خاصة، تخاطب فئة دينية محددة ومعينة.

كما يحق لأي مجتمع التفاخر بوجود مدارس ينهل كل منها من مناهل علم الطائفة التي تنتمي لها هذه المدرسة أو تلك. لكن الخطأ الفاحش هو أن تندس الطائفية في صفوف مدارس تشرف على مناهجها، وتسير أمورها وزارة التربية والتعليم، التي يفترض فيها أن تكون، جميع سلوكياتها، فوق الطائفية، وبعيدة كل البعد عن أي شيء من شأنه أن يشوه الوطنية والولاء للوطن.

لا نريد أن يقودنا الحديث عن التشرذم الطائفي الذي باتت سوسته تنخر جسم الوحدة الوطنية التي بنتها تضحيات أجيال من أبناء البحرين، ممن قدموا أرواحهم رخيصة على مذبح الدفاع عن مجتمع مدني تتعايش تحت مظلته الأديان المختلفة، فما بلك بالطوائف ضمن الدين الواحد، إلى فتح ملف التربية والتعليم في البحرين، فلذلك مسار آخر لا يحق لنا طرقه هنا في شيء من العجالة والاختزال.

المقصود هنا هو لفت النظر إلى نجاح أقلية في المجتمع البحريني، التي تتضارب مصالحها مع أي مجتمع تتعايش فيه الطوائف في تسامح وتكامل، في زرع ورعاية بذرة الطائفية البشعة كي تتحول اليوم إلى سلوك يكاد أن يسيطر على نسبة عالية من فئات المجتمع. بل أنها قد ذهبت إلى أبعد من ذلك، فغزت أخطر المواقع الاجتماعية والتي هي المؤسسات التعليمية، كي تحولها، بدلا من مفرخات تنتج أجيالا من العقول المفكرة المتسامحة، إلى أوكار تنتعش فيها جراثيم الفكر الطائفي، التي توفر أفضل المناخات التي تبحث عنها تلك الأقليات المريضة، سياسيا واجتماعيا، لتحقيق أهدافها ذات الآفاق الضيقة، والآماد القصيرة.

ليس المطلوب هنا إرسال فرق التحقيق وتقصي الحقائق للتأكد ما إذا ما ذهبت إليه، تلك السيدة مطابق للواقع أم مخالف له، بقدر ما المطلوب اليوم، البحث عن الأسباب التي أوصلت تلك السيدة إلى مثل ذلك السلوك، وأرغمتها، بوعي أو دون وعي، أن تساهم في الترويج لمشروعات تلك الأقلية التي أقصى ما تصبو إليه هو التأسيس لمجتمع بحريني قائم على النزعات الطائفية وتتحكم فيه، عوضا عن الأهداف الوطنية الواسعة، المطالب الطائفية الضيقة والنزقة.

من الطبيعي أن تكون هناك أكثر من طائفة، بل ومن الطبيعي أكثر أن يكون لكل منها تعاليمها الدينية والفقهية، والدليل على صحة وسلامة هذا القول، إننا في البحرين، وبخلاف الكثير من سوانا من الدول العربية الإسلامية، لدينا قضاءان، يتمتعان باستقلاليتهما، ويعالجان مشكلات وهموم كل طائفة، وفقا للاجتهادات المذهبية لكل منهما.

لكن ما هو غير طبيعي أن تتقدم الطائفية على الوطنية، وتحتل الطائفية سلم الأولويات على حساب الوطنية، وبدلا من أن نحل مشكلات التعليم في البحرين، وعلى مستوى وطني شامل، نتوقف كثيرا، دون أن يكون هناك ما يبرر مثل هذا التوقف، وإلى درجة تصل إلى الجمود والشلل عند قضايا هامشية تعالج مشكلات على مستوى المحافظة أو لا تتجاوز نطاق المدينة.

ولا يعدو التعليم أن يكون بندا في قائمة طويلة من القضايا الثانوية التي باتت تسيطر على تفكير الغالبية العظمى من شعب البحرين، الذي بات بوعي أو من دون وعي، يتصرف ضد مصالحه الوطنية الكبرى، وبشكل مناقض لمتطلبات طوائفه الصحيحة، ويخدم في الوقت ذاته، تلك الفئة الصغيرة المنبوذة، التي لا تستطيع أن تعيش إلا على إثارة النعرات الطائفية، وتفقد قدرتها على التنفس في الأجواء الصحية، ولذلك، نجدها لا تكف عن بناء البيئات الملوثة الملائمة لانتشار أمراض مثل الطائفية وسواها من الأمراض الأخرى التي تتحول إلى معاول هدم تهشم وحدة المجتمع وتفكك أواصر تكاتفه.

إن الممارسات الطائفية اليوم هي أبشع الجرائم المرتكبة بحق شعبنا البحرين، ولم يعد من المسموح إطلاقا أن يقف أهل العقد والحل يراقبون الأمور ومجرياتها الخطرة دون أن يحركوا ساكنا.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2400 - الأربعاء 01 أبريل 2009م الموافق 05 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً