منذ صدور القرار الدولي 1559 قبل ستة أشهر بدأ الوضع اللبناني المستقر نسبيا يتزعزع. فالقرار كارثة ومشروع فتنة سياسية. والقرار يشبه "قنبلة عنقودية" ألقيت على لبنان بقصد تفكيك مجموعاته السياسية، ودفعها نحو التضارب انطلاقا من نزعات طائفية ومذهبية ومناطقية.
هذه التداعيات السياسية الداخلية أخذت مفاعيلها تشتد وتتزايد على اثر استقرار الاحتلال العسكري الأميركي للعراق وتفرغ واشنطن لجبهات جديدة. فإدارة البيت الأبيض استفادت كثيرا من تلك المصالحات والتسويات التي عقدها الرئيس جورج بوش في جولته الأوروبية الأخيرة، وكذلك وجد الرئيس الأميركي في تهدئة خلافاته مع دول الاتحاد الأوروبي فرصة لإعادة إنتاج مشروعه التقويضي الذي اضطر إلى اخفاء معالمه بسبب الانتخابات الرئاسية.
الآن يبدو أن بوش ارتاح من ثلاث جبهات وهي: الانتخابات الرئاسية الأميركية، احتواء الدول الأوروبية المعترضة على مشروعه الهجومي، واستقرار الاحتلال العسكري للعراق بعد أن تراجعت أعمال المقاومة ضد قواته.
بوش الآن في وضع أفضل من ولايته الأولى. وهذا يعني انه بات في موقع يسمح له باستخدام تلك الأوراق التي اقدمت واشنطن على تجميعها في تلك الفترة الفاصلة بين الإعلان عن إعادة نشر قواته في العراق في يونيو/ حزيران الماضي وتسليم السلطة لحكومة إياد علاوي وخطاب القسم الذي ألقاه بمناسبة بدء ولايته الثانية وأعلن فيه عن توسيع حربه مضيفا "أنظمة الاستبداد" على شعار "مكافحة الإرهاب".
إدارة بوش الآن ترى ان سياستها بدأت تثمر وأخذت الضغوط المستمرة تعطي المزيد من المكتسبات في أكثر من مكان. وبطبيعة الحال يشكل القرار 1559 العصا الإسرائيلية المرفوعة فوق لبنان وما يمثله من قوة ممانعة عربية ضد المشروع الصهيوني.
القرار إذا كارثة سياسية وهناك شبه اجماع لبناني على خطورته لما يتضمنه من فقرات تزعزع استقرار الدولة وتدفع البلاد نحو التفكك والانهيار.
والسؤال: بغض النظر عن الطرف الذي صاغ فقرات القرار ومن هي الجهة المسئولة عن كتابته، لماذا سمح بتمريره في مجلس الأمن واعطاء مضمونه الخطير صفة دولية؟
القرار مشروع مؤامرة سياسية ولكن اين كان مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة آنذاك، ولماذا لم يتحرك لوقفه أو التقليل من خطورة فقراته؟ أين كان سفير سورية في الأمم المتحدة وقتذاك، ولماذا لم يستخدم نفوذ دمشق للتقليل من سلبيات القرار الذي عزمت فرنسا والولايات المتحدة على تمريره؟ اين كان سفراء المجموعة العربية، ولماذا تهاون السفراء العرب في هذه المسألة الخطيرة؟ وكيف سمحت المجموعة العربية لذاك التحالف الثنائي الفرنسي - الأميركي بتمرير مشروع شاروني وتغطية فقراته بإطار دولي؟ اين كانت مجموعة الدول الإسلامية، ولماذا لم تنبه المجموعة العربية إلى مخاطره وسلبياته؟ اين كان اصدقاء الدول العربية وهم كثر في العالم من المشروع، ولماذا لم يتحرك سفراء دول عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي والمؤتمر الإفريقي لشرح الغموض وتوضيح ما تعنيه تلك الفقرات من دلالات قانونية وسياسية في حال سمح بتمرير القرار؟
القرار مؤامرة شارونية ومشروع فتنة سياسية وهذا صحيح. والصحيح أيضا اين كان سفراء لبنان وسورية والدول العربية والدول الإسلامية والدول الصديقة في العالم؟ ولماذا لم تتصل تلك المجموعات وهي تمثل قرابة 80 دولة في الأمم المتحدة بالمندوب الروسي وتشرح له مخاوفها وتطالبه باستخدام الفيتو "حق النقض"؟ ولماذا لم يتحرك هؤلاء السفراء باتجاه الصين والتعاون مع مندوبها للتخفيف من حدة تلك الفقرات التي تستهدف في النهاية تقويض الاستقرار اللبناني واستخدامه لتقويض الوضع الإقليمي؟
فعلا ماذا حصل في تلك الايام. ومن هو "الساحر" الذي استخدم "التنويم المغناطيسي" لعشرات السفراء لتمرير مثل هذا القرار التقويضي وإعطاء فقراته الخطيرة صفة دولية؟ ولماذا لم تطلب الدول العربية والإسلامية مشورة خبراء في شئون القانون الدولي لتوضيح ما خفي من فقرات القرار؟ ولماذا تم التعاطي بخفة مع 1559 بعد صدوره؟ ومن قال لسفراء المجموعة العربية ان القرار سخيف وليس مهما ولا يتمتع بقوة القانون وهو مجرد افكار سياسية وضعت للتسلية وليس للتنفيذ؟ حتى بعد صدور القرار لم تلحظ الدول العربية خطورته، وتعاطت معه كورقة سياسية غامضة لا تملك الوضوح القانوني؟ القرار مؤامرة فعلا. ويبقى السؤال: من سمح بتمريره، ولماذا، وكيف حصل الأمر؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 921 - الإثنين 14 مارس 2005م الموافق 03 صفر 1426هـ