الشهر المقبل سيكون حافلا في البحرين، إذ تستعد وزارة الخارجية لاستقبال وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي "25 وزيرا"، ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي "6 وزراء" لمواصلة الحوارات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون، والتي تستهدف تحرير التجارة وتطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية. هذه الحوارات طالت كثيرا من دون أن تؤدي إلى نتيجة واضحة، كما أنها لم تفض إلى توقيع اتفاق للتجارة الحرة أو أي شكل من أشكال التعاون الاقتصادي.
وتبدو إحدى الحجج التي طرحتها الولايات المتحدة الأميركية بشأن توقيع اتفاقات تجارة حرة بصورة منفردة مع كل دولة صحيحة... فالحوارات والمفاوضات تتعقد لأن "مجموع" دول مجلس التعاون الخليجي لا يتحرك كما هو حال "مجموع" دول الاتحاد الأوروبي، على رغم أن الأخير أصبح أكبر اقتصاد في العالم "أكبر من أميركا بصورة مجتمعة"، وأن دولة واحدة من هذا الاتحاد الأوروبي "إسبانيا" لديها اقتصاد أكبر من كل الدول العربية مجتمعة.
الاتحاد الأوروبي سيحتفل هذا العام بمرور عشرة أعوام على بدء "عملية برشلونة"... هذه العملية التي لم نسمع عنها كثيرا، لأنها موجهة أساسا إلى الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط. وباختصار، فإن "عملية برشلونة" تربط التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول البحر الأبيض المتوسط بتحرير الاقتصاد والالتزام بمبادئ الشفافية ومكافحة الفساد والدفع باتجاه الديمقراطية. الاتحاد الأوروبي بإمكانه أن يسجل نجاحا محدودا بالنسبة إلى عملية برشلونة مع دول البحر الأبيض المتوسط على المستوى الاقتصادي، ولكن لا يمكنه أن يسجل أي نجاح على المستوى السياسي؛ فهناك دول - مثل تونس - استفادت كثيرا من "عملية برشلونة" واستطاع الاقتصاد التونسي أن يحقق نموا ملحوظا بسبب التعاون مع الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية، ولكن الوضع السياسي هو الوضع نفسه الذي كانت عليه الدول المشتركة في العملية قبل عشر سنوات.
وفي سؤال وجه إلى أحد المسئولين في الاتحاد الأوروبي عن سبب ذلك، قال "إن المسئولين في عدد من حكومات الدول التي استفادت من عملية برشلونة" يرددون علينا ضرورة عدم الضغط على الجانب السياسي، لأن ذلك قد يؤدي إلى وصول الإسلاميين إلى مواقع السلطة والنفوذ، وأن ذلك سيؤدي إلى نتائج معاكسة لما يسعى إليه الاتحاد الأوروبي".
وزراء خارجية أوروبا سيجتمعون في المنامة مع وزراء خارجية الخليج، ولعلهم يتفقون على توقيع اتفاق التجارة الحرة بعد نحو 19 سنة منذ بدء الحوارات بشأنه، ولكنهم سيجتمعون هذه المرة بعد أن وقعت البحرين اتفاقا منفردا مع أميركا بشأن التجارة الحرة، وقريبا ستدخل أميركا في اتفاق تجارة منفرد مع الإمارات وعمان وغيرهما من الدول الخليجية، ما يعني أن البطء الأوروبي يفسح المجال للأسلوب الأميركي في التحرك بسرعة ملحوظة وملموسة.
فيما لو تحققت أمنية وزراء الخارجية الذين سيجتمعون في المنامة الشهر المقبل في تحريك اتفاق التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون، فإن مثل هذا الاتفاق لن يصل إلى مستوى "عملية برشلونة" بأي حال من الأحوال؛ فدول البحر الأبيض المتوسط أهم لأوروبا من الناحية الاستراتيجية من دول الخليج، وما تحقق مع التونسيين والجزائريين والمغاربة وغيرهم لن يتحقق مع الخليجيين، ما يعني أن الفرصة سانحة لأميركا أن تلعب أوراقها بالطريقة التي تحب وبحسب برنامجها الذي تحدث عنه رئيسها جورج بوش مرارا وتكرارا بهدف توقيع اتفاقات تجارة حرة خلال عشر سنوات مع كل دول الشرق الأوسط، وإقحام الموقعين في برامج سياسية "إصلاحية" بحسب الفهم الأميركي لـ "الشرق الأوسط الكبير"
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 921 - الإثنين 14 مارس 2005م الموافق 03 صفر 1426هـ