العدد 921 - الإثنين 14 مارس 2005م الموافق 03 صفر 1426هـ

اكتمل الطبيب حبا... والبحرين لما تكتمل

في "أخبار المجنون" ونص "قاسم حداد"...

العدلية - عادل مرزوق 

تحديث: 12 مايو 2017

ما الذي جمع سيد الكلمة، شاعر البحرين "قاسم حداد"، وذلك الطبيب الإنسان قيس "سلمان العريبي"، والمخرج المسرحي المبدع "خالد الرويعي"، طبعا لا يجمع هذا الثالوث، شيء سوى الحب، فالحب، هو سر اللقاء الصعب، هذا ما بدأ به مسرح الصواري هذا العام، عبر مسرحيته "أخبار المجنون" على مسرح مدرسة أم الحصم "المتواضع".

أي رهان صعب خاضه الرويعي؟ وكيف له أن يغامر مع نصوص قاسم حداد اللامحدودة؟ في ظل إمكانات محدودة، وهل له أن يغامر بطبيب "مشغول" ليكون العاشق الهائم في صحراء الحب! إلا أنني خرجت بانطباع آخر بعد هذه السلسلة من المراهنات، إن أجمل النجاحات، هي النجاحات الصعبة، والتي لا تأتي إلا بما لا يتوقع.

قاسم، هذا، رجل ترعد لنصه فرائص الخيال، وتخاف الصور كلما أوغلت في البعد، أن تشوه موسيقاه الباذخة. كان على الطبيب أن يحاول استثارة كل إنسانيته، أمام أصعب مريض مر عليه، إنه "قيس" قاسم. وكان على الرويعي، أن يحرك كل طاقات مسرحه، حتى يستثمر كل شيء، حتى الصمت، إن كان الصمت لـ "قيس" قاسم. وكان على الجمهور، أن يستمتع حتى النشوة، وكان على الحب أن يلبس أزهى الصحارى، علها تليق بـ بصحراء "قيس" قاسم.

لم يكن سوى "سلمان العريبي" أهلا لقيس، الطبيب الإنسان خارج العيادة، بلا رداء عيادته، رداؤه تحول الى قطعة قماش بسيطة، نثرت عليها ليلى دموعها، فاكتمل نموه، وأصبح في أزمة الخصوبة، لائذا بالوجوه، يستر جمال روحه، برداءة الطقس.

هؤلاء قوم رضي الزمان عنهم، وتلت أسفارهم تفصيلات المكان، وغسلت جباههم شذرات غبار، قذفها قيس ذات حب، ومضى. فسادوا أوال وعمروها، وعجزت أوال عنهم، فذرتهم يقتاتون الرمل، وبالحب أحال أبطال "أخبار المجنون"، حبيبات الرمل جنة.

آتيكم منها بقبس...

كانت شخصية السرد في المسرحية ملهمة في أداء دورها، واستطاعت أن تنقل المشاهد معها في أجواء الحدث ببراعة. اما ما كان يدعو إلى الوجع، فهي تلك المقاطع الصوتية بصوت قاسم حداد، والتي أستطيع أن أعتبرها شحنات الاشتعال الكبرى والرئيسية، في التفاعل مع قيس وعذاباته، والمنقذة لليلى، التي لم تأخذ نصيبها من الوجع والحب.

كان للمسات الفنية للفنان خالد الشيخ والطاقم الأدائي للمقاطع الصوتية، بالغ الأثر في اكتمال الرموز بما تحمل من شحنات عاطفية، ولعبت دورا في التهيئة للانتقالات النصية والسردية في المسرح، ساندتها حركة الستائر، إلا أن الحركات الرئيسية للممثلين مازالت في رتمها المعتاد من مسرح الصواري، وهذا ما يحتاج بعض التدخل في العروض المقبلة.

الممثلون بعضهم من أعطى شحنات إيجابية في بناء الصورة المسرحية، والبعض الآخر، وقع في فخ اللغة. إذ حفلت بعض المقاطع ببعض الأخطاء اللغوية التي كان بالإمكان تداركها ببساطة. إلا ان مجمل هذه الأخطاء لم يؤثر على البنية الهيكلية للمسرحية، إلا في أحد الحوارات الطويلة. فلقد انشغل الحضور "في تصحيح بعض الأخطاء اللغوية".

الفنان القدير عبدالله السعداوي، والمخرج خالد الرويعي، وشباب مسرح الصواري، يستحقون منا الكثير، ولابد لهذه الطاقات الكبرى أن تستثمر، إني على ثقة بأنه لولا تلك الجهود "المجانية" الكبرى التي قدمها المؤمنون بالمسرح، لما كان لنا أن نشاهد هذا المنتج الفني الراقي. وإذا كان مسرح الصواري بالإمكانات الضعيفة، استطاع ان يفعل هذا، فهذه أبلغ رسالة يرسلها مسرح الصواري، بأنه يستطيع تحقيق الكثير ما إن توافرت الإمكانات المناسبة.

قاسم حداد، مازال هذا الرجل غريبا في وطنه، البلدان العربية تحتفي بالحب مع قاسم، تسهر مع قناديله، ترتل معه أسفار الحب والشعر. البحرين لا ترتوي منه إلا ارتواء قيس من ليلى، غادر قاسم حداد القاعة بعد انتهاء الحفل مسرعا، وأقول قف يا قاسم، فالبحرينيون يحتاجون إليك، وكما أن "الصواري" احتاج لقيسك، ليعلم الناس الحب. فالبحرين كلها تحتاجك. فلا تبخل عليها، فالبحرين كلها، يتيمة حب.

مسرح الصواري قدم عرضه الأخير عن الحب، وعن قيس وليلى، وهو يحتاج أن نبادله الحب بالحب. يحتاج الى أن نتوقف عن طلب الدعم له، مع كل عرض من عروضه، الى أن نبتعث من يرسل تقارير عروضه في شتى العواصم العربية والعالمية، يحتاج الى حب حقيقي متسع، حد صحراء قيس، وليس ذلك على "الصواري" ببعيد





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً