أتعجب كثيرا من بعض كتاب الأعمدة في الصحف المحلية عندما ينتابهم الخيال المفرط في شرح قضية مصيرية تتحكم في شعب بطوله وعرضه وتمس كل جزء من ثناياه، ولا يستطيع أخونا الكاتب المخضرم أن يواجه قضية محسومة أصلا من المختصين وأصحاب الشأن مثل "الفقر في البحرين" فإذا كانت الحكومة بنفسها معترفة ومتيقنة وهي تواجه هذه الحقيقة لربما على مضض بأن هناك نسبة كبيرة من الفقر والفقر المدقع تعاني منه البحرين، فلا أعلم كيف للبعض ألا يتحمل أو "لا يستوعب" على الأقل هذه الحقيقة وإن كانت مرة، أملا في نشر حلم هو يحلم به ويريد للقراء أن يصدقوه! فمعيارية الفقر تختلف وتصل إلى حد الفهم الخطأ وإن كانت عند بعضهم مقصودة، فيحسبوا أن الفقر هو ألا تمتلك سيارة حتى لو كانت "قرنبع" مهما كان عدد تلك السيارات على باب البيت! أو لا تمتلك جهاز هاتف نقال والذي وصل سعر بعضها إلى الدنانير المعدودات ولم يكن امتلاك أحدها بالشيء المستحيل كما كان قبل عشر سنوات على الأقل! فمن كانت هذه نماذج معياريته للفقر فهو للأسف فقير الفكر. .. وليعلم أن الفقير وخصوصا في البحرين باعتبارها نموذجا للبلد النفطي والاقتصاد المنتعش هو الذي يحصل على راتب أقل من 350 دينارا... الفقير هو الذي لا يستطيع أن يتغدى أو يتعشى في مطعم عادي المستوى وليس مطعم خمس نجوم مع زوجته أو صديقه في الشهر أكثر من ثلاث مرات على الأقل وإلا تدهورت موازنته وجلس على الحديدة جراء تدني مستوى دخله... الفقير هو الذي ما إن يحتاج إلى شيء... أي شيء... يتجه مباشرة إلى أقرب مصرف للاقتراض حتى ولو احتاج إلى شراء مكيف لغرفته أو مكنسة لوالدته... الفقير هو الذي ما إن يطرأ عليه طارئ أو أراد أن يتزوج إلا وكان طريقه المباشر إلى الصناديق الخيرية "يستجدي" منهم ليكمل نصف دينه... المواطنون الذين يعملون في أكثر من وظيفة "16 ساعة يوميا" هم فقراء أيضا... نسبة 99 في المئة من موظفي القطاع الخاص فقراء لأن رواتبهم لا تتعدى الـ 150 دينارا! حتى وإن وصلت إلى 300 دينار فهم فقراء أيضا!! الموظفون وإن كانوا يعملون في القطاع الحكومي والذين تقل رواتبهم عن 350 دينارا هم فقراء أيضا.
هذه النماذج القليلة وغيرها الكثير هي نماذج للفقر العادي الموجود في البحرين بشكل واضح حتى للأعمى الذي لا يرى... والأعمى هنا هو أعمى البصيرة وليس البصر، فما بالك لو تعرضنا للفقر المدقع الذي يزخر به الكثير من قرانا وبعض مدننا... الفقر الذي يفتك بعوائل إذا أكلت وجبة الغداء لا تستطيع أن تأكل وجبة العشاء في ذلك اليوم... فأسر إذا خرج أحد أبنائها ببدلة الرياضة للمدرسة لا يستطيع الأخ الثاني أن يخرج كونهما هما الاثنان يستخدمان البدلة نفسها... فأسر تراه منتشرا في الأسواق عندما ترى كبار السن يستجدون المتسوقين ورواتب التقاعد "إن وجدت" لا تكفيهم... فقر تراه عندما تزور وزارة الشئون الاجتماعية لترى المعونات الشحيحة وترى طوابير الفقراء المنتظرين لها... فقر تراه في البيوت الآيلة للسقوط على أصحابها وهم لا يملكون حتى جزءا من قيمة التصليح... هي نماذج كثيرة يمكن لأعضاء المجالس الإدارية في الصناديق الخيرية أن يخبروكم عنها؟!
إضاءة
ساندويتشات "ماكدونالدز" هي ساندويتشات لا يتعدى سعرها الـ 300 فلس... وآيسكريمهم هو بـ 100 فلس... وأن تكون من رواد هذه المطاعم لا يعني أنك غني أو لست بفقير وليست هي مدعـاة للتفاخر... هذا مفهوم واضح يجب على بعض الكتاب الالتفات إليه "إلا إذا كانوا يرون عكس ذلك فهذه مصيبة" وأن يبعدوا معيارية الفقر عن هذه الأماكن وإلا أصبح جميع شعب البحرين غنيا غنى فاحشا... وأصبحوا مليارديرية يستطيعون أن يأكلوا من مثل هذه المطاعم كل يوم! وإلا ما رأيكم؟
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 920 - الأحد 13 مارس 2005م الموافق 02 صفر 1426هـ