العدد 920 - الأحد 13 مارس 2005م الموافق 02 صفر 1426هـ

بوش أمر شخصيا بخطف الأشخاص واستخدام التعذيب معهم

"أنت الآن في مكان لا تحكمه القوانين"

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

وفقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الأسبوع الماضي، أمر الرئيس الأميركي جورج بوش وكالة الاستخبارات الـ "سي آي ايه" التي واجهت أكبر فشل في تاريخها حين تقاعست عن منع وقوع هجمات 11 سبتمبر/ أيلول ،2001 أن يقوم عملاؤها بخطف أشخاص تشك الولايات المتحدة أنهم يمارسون الإرهاب ونقلهم إلى بلدان تتهمها الولايات المتحدة ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان بممارسة تعذيب المعتقلين داخل السجون وأن تجري مع المخطوفين تحقيقات تحت طائلة التهديد بالتعذيب. وهذا أول اتهام مباشر للإدارة الأميركية توجهه الصحافة الأميركية في سياق قضية مثارة منذ وقت.

هناك حالة واحدة على الأقل في ألمانيا هزت الرأي العام الألماني حين تم الكشف عن عملية اختطاف تعرض لها تاجر سيارات لبناني يحمل الجنسية الألمانية ويقيم في مدينة أولم البافارية، يدعى خالد المصري، إذ تم اختطافه على الحدود بين مقدونيا وألبانيا، وبعد يومين كان في مكان ما في أفغانستان يخضع لتحقيقات مكثفة من قبل عملاء سي آي ايه، بينهم محقق كان يتحدث باللهجة اللبنانية قال لخالد المصري: "أنت الآن في مكان ليس فيه قوانين".

وكانت إدارة الرئيس بيل كلينتون أول من عمل بشعار أفلام العميل السري البريطاني جيمس بوند حين وافقت على منح سي آي إيه رخصة للقتل، وكان محرما على الاستخبارات الأميركية القيام بأعمال قتل. وقبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت السي آي ايه تطلب من الإدارة الأميركية الموافقة على القيام بواحدة من العمليات ضد شخص معين أو أكثر. غير أن بوش منح الوكالة الضوء الأخضر وحرية التصرف بعد هجمات سبتمبر.

ووفقا لما نشرته "نيويورك تايمز"، وقع بوش بنفسه بعد أيام قليلة على عمليات "القاعدة"، قانونا سريا يسمح بخطف الأشخاص المشتبه بصلتهم بالإرهاب واحتجاز حريتهم وتعذيبهم خلال عمليات الاستجواب، وفي بعض الحالات القتل. هذا ما حصل حين قتل الأميركان بعض المواطنين اليمنيين في الصحراء اليمنية قيل لاحقا إنهم ينتمون إلى تنظيم "القاعدة"، استخدمت فيها صواريخ بعيدة المدى بعد رصد تحركات سيارتهم في الصحراء.

وتعتقد منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان بأنه هناك مجموعات ممن اختطفهم عملاء السي آي إيه يعيشون اليوم في معتقل غوانتنامو وفي قواعد تابعة للجيش الأميركي في المحيط الهندي وأنحاء أخرى في العالم. وهؤلاء تعرضوا بالتأكيد إلى التعذيب وحرموا تماما من فرصة الحصول على أدنى حق قانوني لدفع التهم الموجهة إليهم.

وذكرت "نيويورك تايمز" أن الخطف والتعذيب من أبرز عناصر الحرب الأميركية المناهضة للإرهاب، وأشارت إلى أنه يجري نقل المخطوفين عنوة إلى بلدان أجنبية يجري فيها التحقيق معهم تحت التعذيب. بينما تبرر مصادر حكومية في واشنطن سبب نقل المخطوفين إلى سجون أجنبية إلى خفض الكلف، غير أن من الواضح وجود تعاون بين الولايات المتحدة ومجموعة من البلدان في هذا السياق. كما أن الولايات المتحدة التي تتعرض لانتقادات عالمية منذ غزو العراق تريد تجنب المزيد من الانتقادات وتمتنع عن نقل المخطوفين لأراضيها، إذ تحرم قوانينها التعذيب.

وتعتبر "إسرائيل" الوحيدة في العالم التي يجيز قانونها تعذيب المعتقلين، لهذا يجري كل شيء سرا قدر المستطاع. في الوقت الذي ذكرت فيه مصادر حكومية في واشنطن أن القانون الذي وقع عليه بوش ليس معناه منح "سي آي إيه" الضوء الأخضر لخرق حقوق الإنسان، إلا أن الوكالة تقوم بأعمال خطف الأشخاص منذ مطلع التسعينات حين كان بوش الأب في البيت الأبيض. إضافة إلى عدم توافر مراقبة حكومية أو برلمانية على هذه النشاطات التي تتنافى مع القوانين والمواثيق الدولية.

وتكشف التصريحات التي تصدر عن مخطوفين تم الإفراج عنهم عن ممارسات العنف التي تعرضوا لها خلال الاحتجاز. منهم بعض الأشخاص احتجزوا في غوانتنامو الذي تملك منظمات دولية تدافع عن حقوق الإنسان ومنظمة الصليب الأحمر الدولي أدلة قاطعة على تعذيب المعتقلين في هذا المكان، ممدوح حبيب الأسترالي من أصل عربي، رفع دعوى ضد الولايات المتحدة وقال إن سي آي ايه سلمته إلى مصر ليجري استجوابه تحت التعذيب في سجونها، واضطر تحت الضرب واللسعات الكهربائية أن يوقع على إقرار بأنه مارس الإرهاب.

تصريحات مشابهة صدرت من المواطن الكندي السوري الأصل ماهر عرار الذي قال إنه اختطف من نيويورك ونقل إلى سورية.

وفي يناير/ كانون ثاني الماضي كشف في ألمانيا عن خطف خالد المصري على الحدود المقدونية الألبانية، إذ تم احتجازه عدة أيام في سكوبيي عاصمة مقدونيا قبل أن ينقله عملاء سي آي إيه معصوب العينين إلى سجن في أفغانستان، إذ ظل قابعا فيه بضعة أشهر كان خلالها يخضع لتحقيقات لانتزاع اعتراف منه بانتمائه إلى تنظيم "القاعدة".

وبعد عودة خالد إلى ألمانيا ونشر قصته ثارت موجة سخط عارمة على سلوك الأميركان، فقرر المدعي العام في مدينة ميونيخ رفع دعوى قضائية ضد "مجهول" بعد أن أشار إلى أن المعلومات التي قدمها المصري صادقة لا تخالطها الشك. وكشف حديثا عن حال مماثلة في إيطاليا. ففي مطلع العام 2003 اختفى إمام مسجد في مدينة ميلانو بصورة مفاجئة، وبعد التصريحات التي صدرت عن ممدوح حبيب وماهر عرار وخالد المصري يعتقد القضاء الإيطالي أن إمام المسجد قد يكون تعرض للخطف من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية بحسب بيانات قدمتها مصادر في الحكومة الأميركية تم اختطاف ما يزيد عن 150 من الذين تشتبه الولايات المتحدة بهم وذلك منذ وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأنه تم نقلهم من بلد إلى آخر من قبل عملاء "سي آي ايه". وعلى قائمة هذه البلدان التي يتهمها الأميركان بخرق حقوق الإنسان واستخدام التعذيب في سجونها ومن جهة أخرى يتعاونون معها في استجواب المخطوفين بالقوة، مصر وسورية وباكستان وأحد البلدان الخليجية أيضا.

وجددت منظمة العفو الدولية "أمنسيتي إنترناشيونال" انتقاداتها للولايات المتحدة واتهمتها بنقل المخطوفين إلى بلدان يجري فيها تعذيب المعتقلين، إذ لا تتوافر لهم فرصة الاستعانة بمحام للدفاع عنهم. وقال عضو البرلمان الأميركي إدوارد ماركي في صيف العام 2004 إن الإدارة الأميركية تستخدم جهات أجنبية للقيام بالعمل القذر لقاء الحصول على معلومات. ويتساءل كثير من العرب في الدول الغربية عن ورود أسمائهم على قوائم الأميركان، إذ لا يشعر هؤلاء بالأمن حتى لو كانوا في باريس أو لندن أو برلين أو كوبنهاجن.

وبعد الكشف عن تقرير "نيويورك تايمز" واتضاح ان بوش هو الذي أمر بخطف الأشخاص، اتضحت القضية لخالد المصري الذي اختطف على الحدود الألبانية، فقد انقشعت الغيوم وزال الغموض، وما عادت الدعوى مرفوعة ضد مجهول، فقد كشفت أكبر صحيفة أميركية اسم مدبر عمليات الخطف: جورج بوش وعنوانه البيت الأبيض في العاصمة واشنطن دي سي

العدد 920 - الأحد 13 مارس 2005م الموافق 02 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً