أن يصل المرء إلى عمر الشباب وهو لا يعلم شيئا عن تاريخ بلاده وماضي أهل وطنه، وأن يقف مبهورا مدهوشا عند قراءة الصفحات الأولى من كتاب المناضل عبدالرحمن الباكر "من البحرين إلى المنفى سانت هيلانه" لهي التعاسة التي ما بعدها تعاسة.
أن تكون لدى الشباب تطلعات رياضية وشبابية مختلفة فلا خلاف على ذلك، ولكن أن يتم تغييب دور رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه... من أبناء هذه الجزيرة فتلك كارثة سياسية "انعدام الوعي والإدراك بالتاريخ السياسي الذي يتحمل جزءا منه القائمون على جهاز أمن الدولة السيئ الصيت".
يقول "ض.ح": "في حقبة من الزمن، لا أعادها الله، كنا نتداول فيها أشرطة الكاسيت الوطنية، وكنا نبحث عن الممنوعات، ولم نكن مؤدلجين لنظرية دون أخرى، بل كانت الاتجاهات تصب في خانة رفض الذل والخنوع، واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان "فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"... ويواصل: "لم يكن يهمنا كثيرا من الذي يرفض الذل والاستعباد، أكان عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب، الحسين بن علي أم زيد بن علي رضي الله عنهم جميعا...". ويضيف: "في بعض اللحظات ترى الواحد منا ينغمس في رفضه للذل للدرجة التي يؤمن بها بنبوة تشي جيفارا، وأحقية عبدالناصر بالخلافة! وفي الماضي القريب، كنا نشتعل حماسا ووطنية حينما نتلقى مقالات عبدالرحمن النعيمي "بوأمل" ونتداولها سرا فيما بيننا...".
قبل تولي جلالة الملك مقاليد الحكم في البلاد كان كل بحريني يتوجس من البحريني الآخر، وكانت المخابرات تسكن بالقرب من بيت جارك في المحرق كما في المنامة، في المدرسة كما في الشارع، كانت دولة بوليسية بمعنى الكلمة، دولة نقرأ حوادثها في حكايات التاريخ ونشاهد جانبا من قصصها في الأفلام... استحلفكم بالله ما الفرق الذي كان بيننا وبين الدول المتخلفة التي تهين كرامة الإنسان؟ هل الفرق عمود إنارة هنا ومرقص هناك ومجمع تجاري هنا وآخر هناك... ومصانع من عرق أبناء الوطن تدار تروس مكنتها لتعود بالربحية على مصارف سويسرا؟ وما يضحكني حتى السكر والهذيان هو حصولنا على المركز الأول في كل شيء! يا جماعة الخير: الأول في كل شيء، يقولون: نعم، وماذا عن الإنسان؟ يجيبونك: إلا هذه...!
والنتيجة، أنه لابد من إعادة قراءة وتدريس تاريخ البحرين السياسي... المؤرخ اليوم هو تاريخ الحكام كما تقول الباحثة الشيخة مي آل خليفة. إذ إن في تدوين التاريخ السياسي عاملا أساسيا في تنمية الوعي الوطني، فمناهج التعليم محشوة بحوادث التاريخ الفرنسي والإنجليزي، وغائب عنها تماما تاريخنا الوطني، وهذا في حد ذاته تغييب للذاكرة الوطنية، فأية هوية يدافع عنها الشاب البحريني وهو لا يعرف سوى إنجازات فريق الكرة المفضل لديه؟!
وأي تاريخ يباهي به أمام الآخرين وهو لا يعرف تاريخه الوطني؟ فمثلا حينما يفاخر أهل مصر بعروبتهم وبقادتهم الوطنيين فلأنهم يفقهون قضاياهم الرئيسية التي نافح عنها أبطالهم، أما الشاب عندنا فإنه لا يعرف حيثيات الحوادث التي كانت تجري على أرض الواقع، فمنهم - اليوم - من لا يعرف عن معاناة الباكر مع الطائفيين أو نضالاته ضد الاستعمار، فهل يعقل ذلك؟! لذلك، بات من الضرورة بمكان تدوين تاريخنا الوطني من أجل ترسيخ الهوية البحرينية لدى أجيال المستقبل
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 920 - الأحد 13 مارس 2005م الموافق 02 صفر 1426هـ