العدد 920 - الأحد 13 مارس 2005م الموافق 02 صفر 1426هـ

ويسألونك عن الولايات المتحدة الأميركية... ما قصة دستورها؟!

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

"حكومة من الشعب، وعلى يد الشعب، ولأجل الشعب" ابراهام لنكولن يوافق علماء التاريخ عموما على أن أول دستور تضمن كلمات تقوم بموجبها هيئة سياسية حاكمة جاء في المراسيم الأساسية لولاية كوناتيكت الصادرة العام . 1639 وأول مرة استعملت فيها كلمة "دستور" كان في دستور فرجينيا الصادر العام .1776 وهكذا تكون أميركا رائدة "الدسترة" العالمية.

إن قصة التجربة الدستورية في الولايات المتحدة قصة تملك الاحقية في الرواية والسرد والتحليل، هكذا يرى ألبرت بي بلوستاين أحد أهم الكتاب الأميركيين وأستاذ القانون في كلية راتغرز للحقوق "جامعة ولاية نيوجرسي". الدستور الاميركي يعد تجربة بمثابة الإنجاز الفريد في مسار الكفاح الإنساني. وما يهمني تحديدا أن أحاول تفهم "كيف ينظر الأميركيون إلى دستورهم؟!".

اعتبر توماس جفرسون الدستور الأميركي دستورا عابرا للحدود فكتب قائلا: "من المستحيل ألا نشعر بأننا نعمل من أجل الإنسانية جمعاء"، وكان الرئيس جون آدامز مقتنعا بأن الأفكار السياسية الأميركية ستؤثر بعمق في دول أخرى. كما أن هاملتون كان يعتقد أن أمر تقرير مسألة ما - إذا كانت المجتمعات بذاتها قادرة فعلا على تأسيس حكم جيد - قد ترك إلى الشعب نفسه، واعتقد رئيس الولايات المتحدة جيمس ماديسون "أن الأجيال القادمة ستكون مدينة للآباء المؤسسين لإنجازهم السياسي ولمبادئ الحكم السليمة التي ينص عليها دستور الولايات المتحدة".

الاميركيون علموا الفرنسيين فنون الحرية والدسترة للحقوق، مسودة "الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن" المنجزة العام ،1789 والتي تعتبر من أهم الوثائق التي كتبت عن حقوق الإنسان في التاريخ، الغريب فيها، أن يكون لقلم جيفرسون في هوامشها بعض التعديلات والملاحظات. هكذا تجمع الفرنسيون عند الحاكم موريس المصمم الرئيسي لمواد دستور الولايات المتحدة عندما زار لندن.

الدستور البولندي، يبدأ بمقدمة دستور الولايات المتحدة نفسها، وهناك سجلات تشير إلى استشارات دستورية أميركية جرت مع علماء ألمان ونمسويين وبلجيكيين وهولنديين وإسبان وبرتغاليين، ويشير ألبرت بي بلوستاين الى أن الكثير من الحركات التحررية والثورية نهلت من مبادئ الدستور الأميركي وخصوصا في بنود وفصول حقوق الإنسان وحرية الصحافة والحرية في التساوي أمام القضاء.

بلجيكا وبولندا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال جميعها دول تأثرت بمضامين الدستور الاميركي، ونهلت منه بعض الفقرات والنصوص من دون أي تغيير. كما ترك الدستور الأميركي أيضا تأثيره على تطوير النظام الفيدرالي في أميركا اللاتينية، إذ أصبحت فنزويلا والأرجنتين دولتين فدراليتين، إضافة إلى المكسيك والبرازيل اللتين وضعتا دستوريهما الوطنيين العام .1824

ويشير ألبرت بي بلوستاين الى أن الدستور الأميركي كسب أيضا معجبين له في إفريقيا، إذ تبنت ليبيريا التي استوطنها الأرقاء المحررون في الولايات المتحدة دستورا العام 1874 كتب وصاغ معظم مواده أستاذ من كلية الحقوق في جامعة هارفرد.

الدستور المكسيكي تم تصديقه العام 1917 ولايزال قائما على رغم تعديله المتكرر ويصنف على أنه واحد من أهم الدساتير تاريخيا التي صدرت في العالم من حيث أنه أول دستور يعترف بالحقوق الاقتصادية والثقافية إضافة إلى السياسية للشعب، هذا الدستور أخذت هيكلته الداخلية كما الكثير من نصوصه مباشرة من دستور فيلادلفيا. كذلك تأثرت دساتير ألمانيا واليابان والهند بالنموذج الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية أيضا.

ويفاجئنا الاميركيون بتأثيرات بحثية على الدساتير العالمية الحديثة فيعلنون أن نيجيريا التي تمتلك أعلى نسبة سكان في قارة افريقيا، تخلت عن نظامها البرلماني الذي ورثته عن بريطانيا وتبنت دستورا جديدا ينص على تشكيل حكم رئاسي مشابه للنظام الرئاسي الاميركي. كما كان التأثير الأميركي واضحا في نصوص الدساتير التي تبنتها كندا وهندوراس العام ،1982 والسلفادور العام ،1992 وليبيريا العام ،1984 وغواتيمالا العام ،1985 والفلبين العام .1987

السبب الذي تعود إليه أهمية الدستور الأميركي تحديدا ليس لكونه أول دستور فحسب، بل لأنه يمثل انطلاقة دولية جديدة ذات رؤية سياسية مبتكرة استطاعت السيطرة على الفلسفة السياسية الدولية. وعكفت المؤسسات والجامعات الأميركية على تطوير الدراسات والبحوث المتعلقة بدستورها، وعملت في برامج خاصة على الترويج لها في عقول الطلبة الوافدين للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية. كما لا ننسى أولئك الخبراء الدستوريين الأميركيين الذين دعتهم الكثير من العواصم العالمية للمساهمة في صوغ دساتيرها وخصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، ولعل النموذج الفلبيني كان ابرزها وضوحا.

إلا ان السبب الرئيسي كما يعتقد الاميركيون وكما يعتقد ألبرت بي بلوستاين ان "النجاح" وحده، هو سبب رواج البضاعة الدستورية الأميركية، يقول بلوستاين "إن أميركا هي أغنى وأقوى دولة في العالم وأكثرها تحررا، وتملك دستورا هو أطول الدساتير عمرا في العالم. صمد الدستور الأميركي بوجه اختبار الوقت الذي يسمى قاتل الحضارات". وبذلك بقى، وبقيت الولايات المتحدة سيدة الكونية الجديدة

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 920 - الأحد 13 مارس 2005م الموافق 02 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً