هناك ما يشبه الإجماع في لبنان على أن القرار الدولي 1559 كان كارثة سياسية على البلد بصفته شكل المدخل القانوني لتدويل الأزمة، وأعطى ذريعة للولايات المتحدة للتدخل في شئونه المحلية. فالقرار "الكارثة" فتح الدفاتر القديمة وأعاد إنتاج أزمة قيض لها أن تخبو بعد التوافق اللبناني الذي حصل في اتفاق الطائف.
والسؤال: لماذا سمح لهذا القرار بالمرور في مجلس الأمن واعطاء فقراته شرعية دولية كان بالإمكان تجنبها؟
هناك ما يشبه الاختلاف اللبناني على تفسير ما جرى. وتتراوح التفسيرات بين "المؤامرة" و"التواطؤ" و"عدم انتباه" و"قلة يقظة" وغيرها من آراء لم تتفق حتى الآن على تفسير موحد. فالكل يرمي المسئولية على الكل. وكل طرف يتنصل من المسئولية ويضعها على الآخر.
الطرف الموالي يقول إن صدور القرار لا علاقة له بتعديل الدستور والتمديد للرئيس اميل لحود. فالقرار كان سيصدر بغض النظر عن مواقف نواب البرلمان اللبناني. وهناك اتجاهات متطرفة في خط الموالاة تذهب إلى حد القول إن مشروع القرار صيغ قبل ثلاثة أشهر من موعد التمديد ووضع في درج الدول الثلاث الكبرى "فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة" واستخدم حين جاءت اللحظة.
إذا برأي هذا الفريق - وهو بالمناسبة غير متوحد أو متفق على التفسير - فإن المسألة تعود إلى وجود "مؤامرة دولية كبرى" خطط لها منذ زمن طويل، واستدرج لبنان الرسمي للوقوع في مصيدتها. وتذهب بعض الاجتهادات في هذا الشأن إلى تحميل رفيق الحريري، وبالتعاون مع الرئيس الفرنسي جال شيراك، مسئولية وضع مسودة بنود القرار. وتسمي تلك الاجتهادات النائب مروان حمادة والوزير السابق غسان سلامة بانهما أشرفا على كتابة فقرات القرار. وهذا أمر نفاه سلامة وحمادة وأيضا الحريري، إذ أكدوا مرارا أن لا علم لهم بالقرار وهو نتاج توافق أوروبي - أميركي وأكبر من لبنان.
الطرف المعارض رد على هذه الاتهامات معتبرا أن ما حصل هو قرار دولي ويتجاوز كثيرا قدرات وامكانات الحريري وسلامة وحمادة. فالقرار برأي هذا الطرف استفاد من تلك الخطوة الخاطئة في حساباتها، واتخذ من مسألة التمديد ذريعة بنى عليها "المجتمع الدولي" استراتيجية كبرى تتعدى حدود لبنان ولها صلة قريبة وبعيدة بموضوع الصراع العربي - الإسرائيلي ومشروع "الشرق الأوسط الكبير".
وبين رأي "المؤامرة" و"التواطؤ" ورأي ان المسألة لحظة عدم انتباه وخارجة عن ارادة اللبنانيين تمت محاولة اغتيال النائب حمادة ونجا منها. ثم حصلت بعدها جريمة اغتيال الحريري التي أسفرت عن تداعيات زادت من الضغوط الدولية على سورية.
الآن ينتظر اللبنانيون نتائج تلك التقارير المتعلقة بشئون بلدهم الصغير. وأبرز ما ينتظره اللبنانيون التقرير النهائي للأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان المتعلق بمدى التزام الجهات المعنية بتطبيق القرار "الكارثة" 1559 وخصوصا الشق المتصل بالانسحاب السوري والجدول الزمني الموضوع بمواقيته. وأيضا تقرير لجنة تقصي الحقائق التي ارسلتها الأمم المتحدة لوضع تصوراتها السياسية بشأن الطرف المسئول "الفاعل والمقصر والمستفيد" من جريمة الاغتيال.
وبين الأول والثاني يتحدد مصير لبنان والدور الإقليمي لسورية والتوازنات الداخلية "الأهلية" التي ستستقر عليها الدولة وموقعها في دائرة التجاذبات المحلية السياسية والانتخابية.
هناك كلام كثير يقال في لبنان عن وجود مؤامرات خطيرة تمتد من التوطين والتقسيم وصولا إلى اتفاق صلح مع "إسرائيل" إلا أن هذا اللغط تنقصه المعلومات الدقيقة والصدقية نظرا لتعدد الآراء في هذا البلد، وجنوح معظم طوائفه نحو قراءات مذهبية تنظر إلى العالم والمستقبل من دائرة صغيرة ولا تفكر كمجموعات تنتمي إلى وطن واحد. وهنا نقطة ضعف لبنان، وهي ثغرته التاريخية التي تطل منها الدول الكبرى في لحظات التوتر والانقسام. فلبنان طوائف وكل طائفة لها "لبنانها" الخاص. فقبل اغتيال الحريري مثلا اتهم بأنه عراب القرار 1559 وبعد اغتياله اتهمت "إسرائيل" بأنها وراء اصدار القرار. وبين التفسير الأول والثاني هناك مساحة سياسية كبيرة تعطل امكانات الرؤية والقراءة الجيدة وأخيرا التفسير الموضوعي لخلفيات القرار الدولي والطرف المستفيد منه
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 920 - الأحد 13 مارس 2005م الموافق 02 صفر 1426هـ