الحديث في البحرين عن الأحزاب السياسية مازال في المهد، والبعض يتخوف من التسمية ويفضل طرح مسمى "الجمعية السياسية" بدلا من "الحزب" عسى ولعل ذلك يخفف من هلع غير مبرر من تطوير الحياة السياسية على أساس أكثر رصانة.
منذ مطلع العام 2001 والجمعيات الأهلية تتشكل باستمرار إلى الدرجة التي لم يعد بالإمكان فهم مبرر اشهار بعضها سوى التسابق والمنافسة مع هذا الشخص أو ذاك. الجمعيات الأهلية "مؤسسات المجتمع المدني" لا تستطيع أن تلعب دور الحزب السياسي مهما حاولنا التقريب بين الاثنين.
الجمعية الأهلية تقوم أساسا على الطوعية من أجل أهداف تتعلق بواحدة من أنشطة المجتمع، بينما الحزب السياسي هو الجسر الذي يعبر عليه السياسيون إلى مواقع السلطة. فالديمقراطيات الحديثة تقوم على تنافس الأحزاب على أصوات المواطنين للوصول إلى البرلمان وتشكيل الحكومات. وعضو الحزب السياسي يتم تدريبه وتأهيله لتمثيل الشعب في البرلمان أو لتسلم حقيبة وزارية أو رئاسة الوزراء.
الأحزاب السياسية ليست لها سمعة حسنة لدى الحكومات والمجتمعات في منطقتنا لأسباب تاريخية، فالحكومات لدينا لا تقوم على أساس الانتخاب ولذلك فإن تكوين أي حزب سياسي يعتبر تحديا لها، ولذلك فقد تم التعامل مع الأحزاب ومن يدعو إليها كما يتعامل المقاتل في المعركة مع عدو له يقاتله على الطرف الآخر. وهذا بحد ذاته أدى إلى نشوء الأحزاب السرية، والحال السرية تخلق الغموض وتعزز الجمود وتفسح المجال لنشوء دكتاتورية حزبية "داخل التنظيم" وبالتالي فإن الحكومات الدكتاتورية اضطهدت الأحزاب وخلقت منها منافسا دكتاتوريا أيضا.
الحزب السياسي يعتمد على الطوعية أقل من اعتماده على الرسمية، فهو يعتمد على من يؤمن بمبادئه ويشارك في نشاطاته على أساس طوعي، ولكن الحزب المحترف هو منظمة رسمية لها هيكلية ولها جهاز عقابي ولها هيئات متكاملة تعمل بدوام كامل من أجل طرح برنامج سياسي على المواطنين ومن ثم تنظيم حملات انتخابية لكي يتمكن مرشحو الحزب من الوصول إلى البرلمان أو إلى الحكومة.
الطرح الحالي في البحرين ليس مناسبا لبلد يود السير في اتجاه يعزز الديمقراطية، لأن الخوف من الحزب السياسي هو خوف من حضارة اليوم ورجعية غير مقبولة. فالذين يخافون من وجود الحزب لا تراهم يخافون من وجود مؤسسات حديثة أخرى، مثل مجلس الوزراء، جهاز المخابرات، الجيش... الخ. فما هو المبرر لقبول بعض مؤسسات العصر الذي نعيشه ورفض مؤسسات أخرى؟
وعندما ندعو إلى اعتماد مفهوم الحزب السياسي فإننا أيضا نعلم المحذورات في مختلف التجارب وفي مجتمعنا. ففي الدول الاشتراكية الشمولية منعت التعددية الحزبية ولم يسمح إلا لوجود حزب واحد فقط، وهذه تجربة فاشلة وهي زائلة على أية حال. كما أن هناك مجتمعات أخرى، مثل إيطاليا، عانت من التعدد الكبير للأحزاب بحيث لا يستطيع المواطن الاختيار، فالكثير مثل القليل. كما أن هناك من التجارب الفاشلة في مجتمعنا لأن الحزب ينافس القبيلة وينافس الطائفة وينافس التوزيع الإثني والمناطقي، الخ.
ولكن يمكننا إذا اقتنعنا بأنه مهما أخرنا الموضوع فإنه سيتوجب علينا دخول عالم الاحزاب السياسية، وأنه من الأفضل أن نجرب ونخطئ عدة مرات حتى نصل إلى ما يناسبنا من وضع حزبي يمثل الآراء المطروحة في الشارع السياسي، وبالتالي تنظيم عملية الوصول إلى مواقع النفوذ والقرار بشكل سلمي وعلى أساس دستوري
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 920 - الأحد 13 مارس 2005م الموافق 02 صفر 1426هـ