تختلف بلدان مجلس التعاون الخليجي عن بقية البلدان العربية المستهدفة ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير، وسبب الاختلاف يعود بالدرجة الأولى إلى أن الأنظمة السياسية لدول المجلس شرعت بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في القيام بحركة إصلاح سياسي واقتصادي داخلي متفاوتة، بخلاف البلدان العربية الأخرى التي مازالت تواجه جدلا حادا داخل مجتمعاتها بشأن كيفية القيام بإصلاحات، وإشكال ارتباط هذه المطالبات بالضغوط الأميركية تحديدا، وهذا طبعا يعد دليلا على جمود الأنظمة العربية غير الملكية في الوقت الراهن.
من هنا استطاعت الولايات المتحدة القيام بنشاط واسع تجاه بلدان مجلس التعاون الخليجي ضمن مبادرتها الطموحة إلى الشراكة مع بلدان الشرق الأوسط. ولكن اللافت أن مشروع الشرق الأوسط الكبير لم يحظ بالدرجة نفسها من الاهتمام والتجاوب لدى بلدان المجلس، إذ اختلف هذا الاهتمام بين بلد وآخر. ويبدو أن سياسة الولايات المتحدة لتنفيذ مشروعها تقوم على رصد وتحليل حجم الإصلاح السياسي في هذه البلدان، وبالتالي تحديد كيفية التعاون وطبيعة المبادرات والمشروعات التي يمكن تنفيذها في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير.
وعليه يمكن القول ان السياسة الخارجية الأميركية تجاه تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير في دول مجلس التعاون تعتمد بالدرجة الأولى على حجم الإصلاح الداخلي الذي تنتهجه هذه البلدان. والدليل على ذلك أن حجم المشاركة السياسية بين بلدان المجلس متفاوتة، وهناك ثلاث دول حاليا تسعى إلى تعزيز إصلاحاتها المستجدة، وهي الإمارات التي شهدت انفتاحا في حرية التعبير عن الرأي منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي، بالإضافة إلى البحرين التي اتبعت مشروعا إصلاحيا منذ مطلع العام ،2001 أيضا هناك قطر التي تبذل نخبتها الحاكمة مساعي لتأسيس مؤسسة تشريعية بعد إقرار الدستور أخيرا. وهذه البلدان الثلاث هي التي تعاطت بشكل واضح مع مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأعلنت موافقتها صراحة على الدخول في شراكة مع الولايات المتحدة.
وطبيعة العلاقة هنا طردية في الأساس، فكلما زاد الإصلاح في بلدان مجلس التعاون الخليجي حرصت الولايات المتحدة على تفعيل المبادرات الثنائية "وليس الجماعية" مع هذه البلدان. فخلال الفترة الممتدة والمتوقعة من سبتمبر 2003 حتى نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل من المتوقع أن تستضيف بلدان مجلس التعاون الثلاث "البحرين، قطر والإمارات" نحو 17 فعالية من فعاليات مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط تشمل المجالات الاقتصادية والإعلامية والقضائية وغيرها، وتحظى البحرين بالعدد الأكبر من الاستضافات، إذ يبلغ عدد الفعاليات المستضافة نحو 13 فعالية حتى نوفمبر المقبل، فيما استضافت كل من الإمارات وقطر فعاليتين فقط، وهذا يؤكد وجود العلاقة الطردية.
الملاحظة الأخرى المهمة هي أن هناك ثلاث دول خليجية أخرى لم تظهر اهتماما بمبادرة الولايات المتحدة للشراكة مع الشرق الأوسط، وهي السعودية، الكويت وسلطنة عمان. وهذا الفتور تجاه المبادرة - التي يعول عليها المحافظون الجدد في الإدارة الأميركية - تشير إلى حال من الانتظار المتبادل، إذ تنتظر واشنطن أن تقوم هذه البلدان بحجم معين من الإصلاحات في المجالين السياسي والاقتصادي لتقوم بعدها بالشروع في التعاون معها، وكذلك تترقب هذه البلدان ما ستسفر عنه النتائج مع بلدان المجلس الأخرى التي قبلت بهذه الشراكة.
في النهاية فإن مشروع الشرق الأوسط الكبير أصبح اليوم حقيقة أمام دول مجلس التعاون الخليجي، وفات الأوان للحديث عن فرصة قبوله أو رفضه، والمتاح الآن للنخب الخليجية لا يتعدى إمكان النظر والبحث في كيفية التقليل من الآثار السلبية التي ستصاحب هذا المشروع وستظهر نتائجها مستقبليا.
وللحديث بقية..
العدد 919 - السبت 12 مارس 2005م الموافق 01 صفر 1426هـ