العدد 919 - السبت 12 مارس 2005م الموافق 01 صفر 1426هـ

هل من سبيل لثنائية سلمية بن الحكم والمعارضة العربية؟

ثقافة العنف السياسي في الحياة العربية

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تطرح فاجعة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري مرة أخرى ظاهرة العنف السياسي في الحياة العربية وليس اللبنانية فقط.

فاغتيال الحريري يأتي في سلسلة اغتيالات كبار القادة اللبنانيين، ومنهم قطب المعارضة ا للبنانية كمال جنبلاط ورئيس الوزراء السابق رشيد كرامي والرئيس المنتخب بشير الجميل والرئيس المنتخب رينيه معوض وأخيرا محاولة اغتيال الوزير السابق مروان حمادة. هذا في لبنان الذي شهد حربا أهلية كان الاغتيال فيها جزءا من الحرب القذرة، لكن ما هو غير مفهوم أن تستأنف الاغتيالات السياسية بعد سلم مديد في لبنان من أعراض الحرب الأهلية التي انتهت قبل 16 عاما.

لكن لبنان ليس الوحيد في ظاهرة الاغتيال؛ فقد شهد المغرب اغتيال قادة ا لمعارضة في عهد الملك الحسن الثاني ومن أشهرهم المهدي بن بركة وبن جلدن. وفي الجزائر اغتيل الرئيس بوضياف الذي جيء به من قبل قيادات الجيش والمؤسسة الحاكمة ليخرج البلاد من حربها الأهلية فوجد نفسه أحد ضحاياها. وفي مصر اغتيل الرئيس السادات وهو يحتفل بنصر أكتوبر/ تشرين الأول في 1981 بعد سنتين من توقيعه اتفاق الصلح مع العدو الصهيوني في كامب ديفيد العام .1979 أما في السودان فالكل يتذكر مشهد جعفر النميري وهو يستعرض بنفسه أبطال محاولة انقلاب ،1971 ثم وهو يأمر باعدامهم ميدانيا واحدا بعد الآخر وفي مقدمتهم قائد الانقلاب محمد هاشم العطا والأمين العام للحزب الشيوعي محجوب، ورئيس اتحاد الهلال السوداني الشفيع الشيخ. وفي السعودية اغتيل الملك فيصل على يد أحد أمراء الأسرة المالكة مساعد بن فيصل انتقاما لعمه الذي قتل أثناء تظاهرة احتجاجية ضد افتتاح التلفزيون في المملكة. وفي اليمن توالت عمليات اغتيال القادة في الشمال والجنوب في مسلسل دموي لا سابق له. فقد اغتيل رئيس الجمهورية الحمدي في مؤامرة قصر، ليخلفه أحمد الغشمي، الذي يعتقد أنه أحد الضالعين في اغتياله، والذي اغتيل هو الآخر على يد ما يعتقد أنه مبعوث للرئيس اليمني الجنوبي سالم ربيع علي، ما دفع بالشطرين اليمنيين إلى حافة حرب، لينتهي الأمر بانقلاب رفاق سالم ربيع علي عليه، ويعدم ميدانيا. ولم تهدأ الأوضاع طويلا إذ سيختلف الرفاق مجددا وينفجر الوضع في صورة حرب أهلية في يناير/ كانون الثاني ،1986 وتجرى مذبحة اللجنة المركزية إذ قتل أبرز قادة الحزب الاشتراكي اليمني ومن ضمنهم مؤسس الحزب وزعيمه لسنوات عبدالفتاح إسماعيل، وعلي عنتر، وشايع محسن وصالح مصلح.

أما في العراق فقد نتج عن انقلاب 14 يوليو/ تموز 1958 إبادة الاسرة الملكية، مدشنة بذلك دورة دموية لم تتوقف حتى الآن، فقد أعدم قائد الانقلاب عبدالكريم قاسم إثر انقلاب فبراير/ شباط 1963 وقضى قائد الانقلاب عبدالسلام عارف عليه في حادث مروحية، ومنذ أن تسلم حزب البعث السلطة في انقلاب 17 يوليو 1968 شهد العراق أبشع مرحلة دموية في تاريخه شملت تصفية قادة البعث إلى جانب قادة المعارضة. وفي سورية قضى قادة حزب البعث الحاكم أما في السجن أو بعد الخروج منه وذلك بعد انقلاب نوفمبر/ تشرين الثاني .1981

الاغتيالات والقتل الميداني والقتل المستمر بحق الزعماء العرب أو قيادات المعارضة، مرافق لحال الدولة العربية في مرحلة ما بعد الاستقلال وهي جزء من ظاهرة الانقلابات والتمردات والحروب الأهلية والعنف الذي حكم الحياة العربية، حتى في البلدان المستقرة نسبيا.

ويثير ذلك أسئلة كثيرة عن شرعية الأنظمة ذاتها، كما يثير مشكلة العلاقة بين الحكم والمعارضة. الآن وبعد عقود مريرة من العنف والعنف المضاد في الحياة السياسية، أليس من سبيل إلى أسلوب سلمي وشرعي لإدارة الصراعات السياسية العربية؟ ألا يمكن تداول السلطة سلميا أم أننا محكومون بثقافة العنف؟ على حد قول الشاعر:

ونحن أناس لا توسط عندنا

لنا الصدر دون العالمين أو القبر

أليس من مكان وسط بين كرسي الحكم والقبر؟

الدولة المدنية بديل للمدنية التسلطية

الاستقلال تحقق للبلدان العربية في مراحل مختلفة انتهت في السبعينات باستقلال إمارات الخليج. وتقلب عدد من البلدان العربية في ظل أنظمة سياسية متباينة، ولكن معظمها قائم على حكم الغلبة والتسلط. لا تعوز الحاكم أو الانقلابي الحجة لفرض نظامه والتسلط على الشعب، فقد تكون مواجهة العدو الصهيوني أو العدو الامبريالي، أو الدفاع عن الوطن في مواجهة الاخوة الاعداء، وقد تكون مواجهة المتآمرين، أو الدفاع عن المقدسات أو النظام الاشتراكي، أو الوحدة العربية أو وحدة الوطن وغيرها. ليس معنى ذلك أن هذه الاخطار ليست موجودة ولم تحدث، لكن حجة التصدي للاخطار، كانت السبيل للانفراد بالحكم والتسلط وإلغاء الآخرين الشركاء في الوطن، وكما يقول المثل "لقد مرت مياه كثيرة تحت الجسر". إن الخراب الذي أحدثته ممارسات الأنظمة المتسلطة وممارسات كثير من المعارضات العربية المتربصة للقفز إلى السلطة بأي ثمن واضح للعيان. يقدم لنا لبنان نموذجا لذلك فهذا البلد الذي كان يوصف بسويسرا الشرق في جماله وحيويته وتقدمه يوشك بالعودة إلى دوامة العنف. أحد الاسباب هو تسويغ السلطة لنفسها استخدام الدولة في تهميش المعارضين أو شطبهم إن أمكن ولجوء بعض المعارضة ولو الى الشيطان. غياب الدولة المدنية المحايدة بين أطراف القوى السياسية المتنافسة، والاتفاق على قواعد التنافس السلمي ضمن قواعد الديمقراطية المتعارف عليها من عوامل هذا التدهور. لبنان كان في طريقه إلى التعافي الكامل على رغم اعتداءات "إسرائيل" المتكررة وخطرها الداهم وعلى رغم التدخل السوري الفض في كثير من الشئون الداخلية. نظام المحصاصة في لبنان سيئ ولكنه هو الممكن كمرحلة انتقالية، والتوافق روح النظام اللبناني، ولكن قوى في النظام اللبناني اتكأت على سورية في فرض التمديد لرئيس الجمهورية إميل لحود، واستطرادا استئثارا بالدولة، واستبعاد قوى في لبنان. ليس غريبا أن يخرج شخص بثقل رفيق الحريري ذي الدور التاريخي في استعادة لبنان السلم الأهلي من رئاسة مجلس الوزراء، لكن الغريب أن يعامل من قبل الدولة كطريد وتوجه له الاتهامات في وطنيته ويصفه وزير العدل "بأنه رأس الأفعى". المعضلة في لبنان كما في السودان، كما في البحرين هي اعتبار المعارضة شاذة؛ في لبنان المعارضة ملازمة للحرب الأهلية، وفي السودان ملازمة للتقسيم وفي البحرين ملازمة لإجهاض المشروع الإصلاحي. عدم النظر إلى المعارضة كشريك في الوطن ومصيره، وأنها ركن أساسي من أركان مؤسسة الحكم، واختزال الدولة هو بالحكم من أهم مصائبنا. المعارضة من ناحيتها يجب أن تكون مسئولة فأن تهرع المعارضة إلى القوى الأجنبية ولو كانت عدوة للوطن خطيئة أيضا. عندما تهرع المعارضة اللبنانية للولايات المتحدة فهي ترتكب خطيئة. نحن نعرف أن معظم الأنظمة العربية تابعة للولايات المتحدة ويستعين بها ضد خصومه المحليين، لكن ذلك لا يسوغ للمعارضة الاستعانة بالولايات المتحدة أو غيرها. نعم، من حقها نقل قضيتها إلى الرأي العام والبرلمانات ومنظمات المجتمع المدني ولكن ليس من حقها الاستعانة بحكومات أجنبية ويجب ألا تكرر خطيئة الأنظمة.

المنزلق الخطر الذي قد ينزلق إليه لبنان - ونحن جميعا يجب أن نتحرك لمساعدة اللبنانيين في منعه - قد تنزلق اليه بلدان عربية أخرى. إن الاحتقان في معظم الدول العربية يتصاعد، ووعود الإصلاح تتراجع وليس من مؤشر باستثناء المغرب على توجه إصلاحي حقيقي، وتوافق حقيقي ما بين الحكم والمعارضة، أو بين الدولة والشعب، لا تكفي الإشادة بمناقب الفقيد الكبير رفيق الحريري، فالواجب الوفاء للرسالة التي حملها واستشهد من أجلها. لقد كانت رسالته إخراج لبنان من حال الحرب الأهلية إلى حال السلم المديد، وإقامة دولة مدنية عادلة، دولة فوق المصالح الفئوية، دولة أكبر من الطوائف والطبقات.

كان في الحكم كما في المعارضة رجل دولة بامتياز. الحريري وهو المليونير كان حبيب الفقراء الذين خرج أكثر من مليون منهم ينعونه، لأنه حقق لهم الكثير مما لم يحققه لهم الناطقون باسم الفقراء والكادحين

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 919 - السبت 12 مارس 2005م الموافق 01 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً