الطرق التي تسير عليها رغبة في ملاقاة أصدقائك، ليست طويلة، فهي بالكثير تستهلك خمس دقائق من عمرك الفاني. لكنك عندما تسأل أصدقاءك أو يسألونك عن عدم رؤيتهم لك، تتعلل بأن الوقت لا يتسع للقاء، أو يتعللون بأن الوقت لا يتسع للقاء. وكأنك أيها الانسان والصديق العزيز تقف بك عقارب الساعة عند هذه الدقائق وكأنها تقرر مصير حياتك كلها، وكأن العمر مرهون بذلك الطريق الذي تتحاشى المرور عليه. قد يكون هناك بعض العذر فيما لو كان الصديق بعيدا عنك في قرية أو منطقة نائية تتطلب منك الركوب في السيارة وتشغيلها والضغط عليها للتحرك والمسافة الطويلة التي تتحسر عليها وعلى ضياع الوقت الثمين. ولكن ما عذر الأصدقاء في طرق سهلة سليمة البناء ليس فيها مطبات ولا حفر يستطيع الانسان أن يركض فوقها لا أن يمشي فقط، وما عذر الأصدقاء في دقائق معدودة يقضيها المرء في التريض حتى يصل إلى أصدقائه.
إن التعلل بمتطلبات العيش التي لا تترك وقتا لأحد أشبه بتلك الحكاية التي تقول بأن رجلا فطنا حاد الذكاء سمع شخصا يغرق في البحر فهرع اليه وعندما اقترب منه طلب منه النجدة، فقال الرجل وهو ممسك بعصا يشير بها إلى الغريق: كان الأولى بك أن لا تقترب من البحر وقد وضعت أمامه تلك اللوحة التي تشير إلى خطورة العوم في هذا المكان. فما برح الرجل حتى غرق والذكي الفطن لايزال في نصائحه.
إذ إننا اعتدنا التعلل حينما يسألنا أحبابنا وأصدقاؤنا عن عدم زيارتهم مع - أنهم لا يزوروننا! - أن نقول إننا في شغل ما بعده شغل بالعمل ونغفل عن أن معاتبة الأصدقاء تخفي هموما ولواعج لا تحد في نفس من يحدثنا واشتياقا ورغبة في اللقاء والكلام الذي يخفف شيئا من الهموم التي تحترق بها القلوب. ولكن تظل لقمة العيش والوقت هي ما نتعلل به لاهين عن قلوب أصدقائنا
العدد 918 - الجمعة 11 مارس 2005م الموافق 30 محرم 1426هـ