ربما سيتحدث المؤرخون في السنوات المقبلة عن ولاية جورج بوش الثانية التي بدأت في مطلع العام 2005 بأسلوب مختلف عما نتحدث عنه حاليا، فيما لو صدق المسئولون الأميركان ولو في جزء يسير مما يقولون.
ففي حديث لأحد مسئولي وزارة الخارجية الأميركية "في تشكيلتها الجديدة" أمام مؤتمر عن الإصلاح في الشرق الأوسط عقد في لندن الأسبوع الماضي، قال: "إن ستين سنة من علاقاتنا مع الأنظمة الاستبدادية ومساندتنا لها لم تعطنا أمنا أو استقرارا في الشرق الأوسط، بل إن سياستنا ساعدت على نقل الإرهاب إلى مدن الولايات المتحدة الأميركية". وأضاف "إن الإدارة الأميركية تعلم أن العرب والمسلمين لا يثقون بها ويشككون في سياساتها، وهو يشبه ما كان يحدث في أميركا الجنوبية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي".
وللتوضيح أضاف المسئول "في ثمانينات القرن الماضي كنا نساند الأنظمة الاستبدادية في أميركا الجنوبية، وعندما وجدنا أن سياستنا خاطئة التفتنا إلى حلفائنا من الحكام الدكتاتوريين وقلنا لهم إن عليكم أن تصلحوا حالكم، وكانت ردود الفعل مشابهة لما نشاهده اليوم في الشرق الأوسط. فحكام القارة الأميركية الجنوبية بدأوا يضحكون والشعوب هناك أيضا استهزأت بما كنا نقول، لأنهم لم يصدقوا أننا غيرنا سياستنا بصورة جادة. والأمر كذلك الآن في الشرق الأوسط، إذ إن كثيرا من حلفائنا الذين دعمناهم طوال العقود الماضية لا يصدقون ما نقوله، والشعوب العربية والإسلامية لا تثق بنا لأسباب مختلفة. ولكن مع الزمن سيجد الجميع أننا جادون، تماما كما كنا جادين في أميركا الجنوبية، وأنتم ترون أنه الآن لا يوجد نظام دكتاتوري يضطهد شعبه في هذه المنطقة بالطريقة التي كانت تنتشر في ثمانينات القرن الماضي".
كأحد المستمعين إلى مثل هذا الحديث فإنني أشعر كما يشعر أي عربي ومسلم يعيش في منطقة تعد الأسوأ من ناحية الاستبداد والحرمان من الحقوق، لو قمنا بمقارنتها ببقية المناطق في العالم، بما في ذلك إفريقيا التي بدأت تنتشر فيها الديمقراطية وتتطور بعض دولها حاليا اقتصاديا بعد الانتعاش السياسي. حديث الأميركان يمكن أن ينظر إليه أنه حديث المنتصر المتكبر الذي يقول ما يشاء متى شاء، ويطبق ما يشاء ويلغي ما قاله متى وجد أن ذلك سيتعارض مع مصالحه الحيوية.
لكن الجواب لدى المسئولين الأميركان جاهز أيضا: "إن مصالحنا الحيوية لا يمكن المحافظة عليها إلا إذا كانت هناك أنظمة ديمقراطية لا تخلق العداء والكراهية مع شعوبها وتنقل هذه الكراهية إلينا، لأننا نساند تلك الأنظمة...".
ولكن، أي إصلاح تنشده الإدارة الأميركية؟ وهل ستساند حركة "حماس" فيما لو انتخب الشعب الفلسطيني في يوليو/ تموز المقبل أكثرية أعضاء البرلمان من هذه الحركة؟ هل ستساند دخول الإسلاميين في المعترك السياسي المصري، وهي تعلم أن دخولهم الساحة يعني انتصارهم؟ هل ستساند حكومة عراقية يغلب عليها الاتجاه الإسلامي؟
كل هذه الأسئلة طرحها مسئولو الإدارة الأميركية الجديدة على أنفسهم قبل أن يطرحها أحد عليهم، واستعدوا للإجابة عليها... ولذلك، فإن الجواب على احتمال دعم "حماس" كان جاهزا: "إذا كان الشخص الذي ينتخبه الشعب الفلسطيني ينبذ العنف وعلى استعداد للتفاوض السلمي وإثبات أنه يلتزم بالعملية الديمقراطية فإننا لن نقف ضده".
أسئلة عدة تنطلق مع كل جواب، وكلها تشير إلى أننا لا نثق بما يقوله الأميركان... ولكن السؤال الذي يبقى في النفس هو: "ماذا لو أن الأميركان صادقون ولو في نسبة بسيطة جدا مما يقولون؟"
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 918 - الجمعة 11 مارس 2005م الموافق 30 محرم 1426هـ