منذ أن دخل حزب المحافظين في بريطانيا مرحلة الغيبوبة، وتخفيفا، مرحلة السبات العميق منذ العام 1997 فقد تخبرت آمال معظم أعضائه في العودة إلى المجد الأول، حينما كان الشارع البريطاني ينتظر بفارغ الصبر خطابات زعيمة الحزب آنذاك المرأة التي أطلق عليها لقب "المرأة الحديد" مارغريت تاتشر، وبدت الأمور أن الهزائم المتلاحقة التي ضربت هذا الحزب لم ينته أوارها، فقد بقي غارقا في لجة النوم منذ ذلك الحين فجاء العام 2001 واعتقد البعض أنه موعد للنهوض، لكن الحزب لم يستطع النهوض هذه المرة أيضا. ومنذ ذلك الحين، انقضت أربع سنوات، والمحافظون لم يقطعوا ربع المسافة بينهم وبين العمال الذين على علاتهم كما يشير البعض من الإعلاميين البريطانيين مازالوا في المقدمة.
لكن الأسبوع الماضي حمل للمحافظين بعض البشرى، فقد أعلنت مراكز لاستطلاع الرأي بالانتخابات البرلمانية المقبلة أن المحافظين قد حققوا قفزة بسيطة في سباق المسافات مع العمال، فالأرقام التي نقلتها وكالات الاستطلاع في فبراير/ شباط الماضي وهي وكالة "MORI" و"ICM" بأن هناك 37 في المئة يؤيدون العمال و34 في المئة يؤيدون المحافظين و18 في المئة يؤيدون الليبراليين الديمقراطيين في شريحة عشوائية من المواطنين تتألف من 3000 شخص.
وهذه نتيجة مهمة أنعشت المحافظين كثيرا، لأن الأرقام تبدو متقاربة بعض الشيء، أما بقية المعركة فتعتمد على البرامج والطريقة التي يستخدمها كل حزب منهما لكسب المزيد من الأصوات، وبحسب تقديرات مدير الاستطلاع جون كريس فإن المحافظين يحتاجون من 8 - 10 نقاط إضافية لكسب المعركة.
ومعلوم أن حزب العمال يحتل حاليا نحو 408 مقاعد في البرلمان من المقاعد الـ ،659 وهذه المقاعد باقية على حالها لعدم وجود انسحابات إلى حد الآن، لكن التغير الذي طرأ على ساحة العمال أن شعبية رئيسه طوني بلير أخذت في التراجع بعد أن كان يقف على أرضية صلبة. فبعد الانتصار الأول كانت نسبة البريطانيين الذين ساندوه قد وصلت إلى 72 في المئة، ولكن في العام 2001 هبطت هذه النسبة إلى 55 في المئة، واليوم فإن هذه النسبة لا تزيد على الـ 33 في المئة. وأهم الأسباب في هذا التراجع هو مشكلة الحرب على العراق إذ يعارضها معظم البريطانيين وأيضا حال المواصلات والسكك الحديد السيئة وكذلك مشكلات المستشفيات والتعليم.
ويبدو أن أكثر المحببين للبريطانيين المؤيدين لحزب العمال هو وزير المالية كوردن براون، الذي يعتبر الشخص الثاني في قيادة الحزب، وهذا المسئول لديه فرصة لزعامة الحزب فيما إذا حصدت الانتخابات المقبلة التي ستجرى بعد عشرة أشهر هزيمة لحزب العمال، إذ ستفسر هذه الهزيمة بوجود طوني بلير في قمة الزعامة، وعليه تنبغي إزاحته لتجديد الحزب والاستعداد للانتخابات المقبلة.
أما فيما يتعلق بالمحافظين فإن وليم هوخ يقف في قمة الزعامة منذ العام 1997 ومعه إيان دونكان سميث والرئيس الحالي فيكائيل هاوارد، هؤلاء جميعهم من الشخصيات الخبيرة والمتعلمة والتي تتصف بالشفافية والرقة، ولكن موضوع السياسة ربما يحتاج إلى مواصفات أخرى، وأبرز هذه المواصفات هي الجاذبية، ويبدو بحسب استطلاع الرأي الشعبي أن لا أحد من بينهم يمتلك قطرة واحدة من الجاذبية التي تشد المواطنين إليهم، وهذه الجاذبية من الممكن أن تكون جاذبية وديعة أو جاذبية متصلبة، فطوني بلير على سبيل المثال يمتلك الجاذبية الوديعة التي يشعر بها عامة الناس، ولكن وعودة إلى الماضي فإن مارغريت تاتشر كانت هي الأخرى قد امتلكت جاذبية من نوع آخر، هي الجاذبية المتصلبة التي انفردت بها وشدت حولها غالبية الشعب البريطاني.
يحاول رئيس حزب المحافظين هاوارد اللعب على قضايا أخرى ليست تلك التي كانت مادة الانتخابات الماضية كالموقف من الحرب على العراق والصحة والتعليم وغيرها، وإنما طرح موضوعات جديدة هي تطعيم اللاجئين بلقاح ضد السل والانسحاب من الاتفاق الدولي لملاحقة المطلوبين وإلغاء الضرائب على المتقاعدين وغيرها، وقد التقط طوني بلير بعض أجزاء هذه القضايا فوضع في برنامجه نقاطا تشمل الموقف من تجديد اللجوء وقضايا المتقاعدين وغيرها.
ومع ذلك فإن 35 في المئة من العينة المختارة في استطلاع الرأي لم توضح رأيها في كلا الحزبين المتنافسين، وبشأن هؤلاء سيجري التنافس الحقيقي في الانتخابات المقبلة
العدد 917 - الخميس 10 مارس 2005م الموافق 29 محرم 1426هـ