كنت يوم الأحد الماضي على موعد مع فرقة عشاق الحسين، التابعة إلى مأتم السجاد في العاصمة "المنامة". كان رئيس الفرقة اتصل بي عاتبا على ما كتبته عن الموسيقى في عاشوراء، ودعاني إلى الاطلاع على وجهة نظره، معتذرا عن الرد كتابيا. وأرى من حقه وحق كل من يعنيه الأمر أن يوصلوا رأيهم بدقة، ومن حق القارئ أن يطلع على وجهات النظر المختلفة بأمانة.
وهكذا ذهبت صباح الأحد الماضي لزيارة مقر الفرقة بمبنى الأوقاف الجعفرية. دخلت المكان فإذا هنالك الكثير من الطبول التقليدية القديمة مصفوفة في رفوف متراتبة، إلى جانب بعض الأدوات الموسيقية الحديثة. رحب بي الرجل كثيرا، وبدأ بالحديث عن أصل هذه الممارسة: قرع الطبول في موسم عاشوراء.
يقول عبدالغني أحمد: "إن الممارسة تعود إلى واقعة كربلاء نفسها، فبعد حصار مخيم الحسين "ع"، أصدر قادة الجيش الأموي الأوامر بقرع الطبول ابتداء من ليلة السابع من المحرم، بهدف إزعاج وترويع أطفال ونساء أهل البيت وإضعاف معنويات أصحاب الحسين. واستمر الوضع كذلك أربع ليال وثلاثة أيام، حتى يوم العاشر حين استشهاد الحسين "ع" وأصحابه".
هذه المعلومة ربما تكون جديدة على الكثيرين، وهي تشكل خلفية مهمة لفهم جذر هذه الفعالية، وخصوصا أن المنبر لا يشير إليها بمثل هذا التفصيل، الذي يستدعي التحقق من الموضوع تاريخيا.
يضيف عبدالغني "هذه الموسيقى تبدأ بالنفخ في البوق، ثم يبدأ ضرب الطبول، بإيقاع مؤثر جدا على الجمهور، إذ يبكي بعض النساء والرجال عندما يستمعون إليها ويتذكرون الحصار وأجواء الحرب. وهي موسيقى حماسية بعيدة عن اللهو والألحان المطربة، وهناك انضباط في تنظيم عمل الفرقة المكونة من 30 شخصا، ونحن لا نسمح بأية أعمال قد تخل بقدسية المناسبة، حتى الضحك أو الأكل ممنوع".
بعد هذا الشرح، أدار شريط فيديو، لمشاهد من أداء فرق موسيقية في مناطق إيرانية مختلفة: شيراز، عبادان وبوشهر، يمكن للمدقق أن يتلمس بعض الفروق البسيطة في الألحان عندما يركز فيها. بعدها عرض مشاهد مصورة للفرقة في البحرين، التي بدت أكثر انضباطا وأناقة في الملبس. وأظهر لي فتوى بشأن "هل كل الآلات الموجودة في الصورة المرفقة جائز استعمالها في مراسم العزاء كما هو متعارف"، مع قائمة بالتعليمات والارشادات العامة الواجب مراعاتها في منتسبي الفرقة، وتبلغ 14 تعليما تبدأ بالحرص على عدم حدوث بلبلة، وينتهي بالالتزام بالتعليمات وإلا ستتخذ إجراءات ضد العضو المخالف.
كثير مما سمعته عن هذه الفرقة جميل، وبعضه جديد، يبقى إشكال "ثقافي" لم أحصل على إجابة عليه، ولا أحسب القائمين عليها قادرين على تقديم مثل هذه الإجابة: فمثل هذه الفعالية ترجع أصولها إلى إيران، وأحد المشاركين في الفرقة يبلغ السبعين من عمره، كان أبوه هو من استورد الطبل الأول للفرقة. يبقى السؤال: إلى متى نظل شعبا مستهلكا يستورد أدواته، فكرا وسلوكا وممارسات؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 917 - الخميس 10 مارس 2005م الموافق 29 محرم 1426هـ