العدد 916 - الأربعاء 09 مارس 2005م الموافق 28 محرم 1426هـ

قراءة في تقرير مملكة البحرين إلى لجنة تصفية التمييز العنصري

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

قدمت مملكة البحرين وثيقة إلى لجنة تصفية التمييز العنصري، التابع إلى لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جنيف بتاريخ 4 مارس/ آذار ،2004 وتضمن التقرير السادس والسابع بموجب المادة "9" من الاتفاق الدولي للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الذي انضمت اليه دولة البحرين بموجب المرسوم الأميري رقم 8 لسنة 1990 ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 28 فبراير/ شباط . 1990 وهذه الوثيقة الثانية، إذ قدمت البحرين الوثيقة الأولى وتتضمن التقارير "1" حتى "5" في 23 مارس .2000 سبق للجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين والمنظمة البحرينية لحقوق الإنسان في المنفى أن قدمتا تقريرين بديلين إلى اللجنة وجرت مناقشتها مع وثيقة الحكومة في اجتماع 23 مارس ،2000 وقدمت لوفد البحرين الذي رأسه العميد عبدالعزيز عطية الله آل خليفة ملاحظات كثيرة بشأن انتهاك دولة البحرين للاتفاق وتوصيات لتصحيح هذا الوضع، ولكن دولة البحرين حينها لم تنشر ملاحظات اللجنة النقدية.

وإذا كان مفهوما حينها أن تحيط حكومة البحرين تقريرها بالسرية، فإننا لا نفهم الآن وبعد كل الحديث عن المشروع الإصلاحي والمملكة الدستورية الملتزمة بجميع مواثيق حقوق الإنسان، أن تخفي حكومة البحرين تقريرها عن شعب البحرين ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بهذه القضية الخطيرة. حسنا فعل المجلس الأعلى للمرأة حين أشرك ممثلي المجتمع المدني والخبراء البحرينيين المستقلين في كتابة تقريره إلى لجنة مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة "ءص"، وليت وزارة الخارجية عملت بالمثل. بالنسبة إلى تقرير مملكة البحرين المقدم هذه المرة للمناقشة، فقد قام مركز البحرين لحقوق الإنسان بتقديم تقرير بديل، نشر على صفحات الانترنت، وعلى الحكومة أن تأخذ العبرة من ذلك.

لن نستعرض التقرير الحكومي فقرة فقرة وندقق في مدى صحتها، بل سأسوق ملاحظات عامة، إذ المطلوب من مجموعة من الخبراء الرد عليه تفصيليا.

لزوم ما لا يلزم

في حين أن البحرين سبق لها أن قدمت تقريرا إضافيا في 23 مارس 2003 وبه معلومات كافية عن نظام الحكم والنظام الدستوري والقانوني، فكان عليها أن تكتفي بذكر التطورات الدستورية والقانونية. لقد استهلك استعراض المعلومات العامة نظام الحكم والنظام الدستوري والنظام القانوني ومعلومات عامة عن الأرض والسكان والحالة الاقتصادية والتنمية البشرية والتعليم، 14 صفحة الأولى من 49 صفحة وكان يمكن الاقتصار على التطورات الدستورية والقانونية في صفحتين.

الإغراق في النصوص على حساب الوقائع

يستمر التقرير بدءا من ص 14 حتى 19 في استعراض مسهب للإطار القانوني لحقوق الإنسان "احترام حقوق الإنسان، المساواة ومنع التمييز، الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها البحرين، النظام القضائي لحماية الحقوق وإنصاف الضحايا ومكانة الاتفاقات الدولية في التشريع الوطني"، ثم ينتقل إلى جهود الإعلام الرسمي في التعريف بالاتفاق. وهذه بدورها كان يمكن اختصارها بصفحة واحدة.

وهنا نقول إن النصوص الواردة في ميثاق العمل الوطني والدستور والقوانين والنظام القضائي مهمة، ولكن الأهم هو مدى إنفاذ هذه النصوص ووجود مؤسسات دستورية وتشريعية وقضائية مستقلة فعلا تضمن تطبيق هذه النصوص وتمارس الرقابة على السلطة التنفيذية وأجهزة إنفاذ القانون، وتحقق العدالة والإنصاف في ظل أوضاع مختلفة بعد عقود من غياب حكم القانون. الغريب في الأمر أن حكومة البحرين لم تعترف في التقرير أبدا بوجود مشكلة التمييز بأنواعه على الأساس المذهبي والانتماء القبلي والجنس وغيره، وكأننا نعيش في سويسرا، في حين كان المطلوب منها أولا الاعتراف بالمشكلة لأنها نصف الطريق إلى الحل، أما المكابرة والإطناب في استعراض النصوص فلا يفيد. هل نحتاج إلى وقائع لإثبات أن التمييز بمختلف أشكاله موجود، أعتقد أنه لا يمكن نكرانه إلا من قبل مكابر.

مناقشة أطروحات الحكومة

في الجزء الثاني من التقرير والذي يستغرق الجزء الأكبر من التقرير "من ص 20 حتى 48" يتناول الاتفاق مادة مادة، ويبين مدى التزام البحرين به "فقرة 84 حتى 241" أي نهاية التقرير. مرة أخرى يلتزم التقرير الحكومي بالاستشهاد بنصوص ميثاق العمل الوطني ودستور 2002 والتشريعات الوطنية. ومن المهم هنا تأكيد الاتفاق على ما يأتي:

1- لا يقتصر التمييز على التمييز العرقي بل على جميع أشكال التمييز المستندة إلى العرق أو القومية أو الدين أو المذهب أو الجنس أو اللغة أو الإثنية أو النسب وغيرها.

2- يقرر الاتفاق أن ظاهرة التمييز العنصري تسود في العالم كله بدرجات متفاوتة وبتجليات مختلفة. لذلك فإن أكثر البلدان تقدما وديمقراطية هي أطراف في الاتفاق وتجتهد في مكافحتها وتقدم التقارير الدورية للجنة وتسعى وراء نصيحتها، فما بالك بالبحرين باعتبارها بلدا ناميا وتخطو أولى خطواتها نحو الديمقراطية وحكم القانون، فالعجب في إنكارها لواقع التمييز.

3- إن التمييز فعل مادي ومعنوي ويتجلى في نظام التمييز والامتيازات في تقلد الوظائف العامة، والاستفادة من موارد البلاد وخدمات الدولة، والفرص السياسية والاقتصادية. لذلك فإن الاتفاق يشدد على تحريم التمييز بجميع أشكاله في تقلد الوظائف العامة، وفي الاستفادة من موارد البلاد من أراض وسواحل وموارد أخرى، ومن خدمات الدولة في الصحة والتعليم والأشغال والثقافة والإسكان والمياه والمواصلات والاتصالات والبيئة، وفي المساواة أمام القانون وفي الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما يحرم الاتفاق ثقافة وقيم التمييز، ويطالب الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات عملية تشريعية وتعبوية وإدارية، ووضع سياسات واضحة لمعالجة مشكلة التمييز مع تقديم تقارير دورية إلى لجنة تصفية التمييز العنصري.

من المؤسف أنه بدلا من أن تقوم حكومة البحرين بتشخيص ظاهرة التمييز سواء في الدولة أو المجتمع، وذكر الصعوبات التي تواجهها، والإجراءات التي اتخذتها أم لم تتخذها في مكافحتها، فإنها تصر في تقريرها على إنكار وجود هذه الظاهرة وتجلياتها، وتستشهد تكرارا بالنصوص لا بالوقائع لإثبات أن الدولة لا تتبع سياسات تمييزية وأن أرض البحرين طاهرة من جرثومة التمييز. وكما جاء في التقرير فقرة 92 "بتصرف": "ونتيجة لذلك خلت حياة شعب البحرين من كل صور التمييز التي لا تستدعي بأي شكل من أشكال السلطة لمواجهة أية انتهاكات قد تخل بمجال أعمال هذا الاتفاق... لذلك تخلو ساحات المحاكم وجهات الانتصاف من شكاوى بهذا الخصوص". ويستحضر دليل آخر كما في الفقرة 97 "ويتأكد عدم التمييز وتعزيز المساواة من خلال ممارسة الجمعيات والأندية الأجنبية في البلاد في حقوق وحريات وأنشطة كثيرة"، فهل هذا الكلام معقول؟

ألا يعرف كاتبو التقرير أن الكثير من القضايا المرفوعة ضد المسئولين الحكوميين عن التعذيب رفض تسجيلها في المحاكم بحجة عدم الاختصاص بموجب القانون 56/ 2002 والفصل بين السلطات، فهل يتوقع أن يتقدم بعد ذلك ضحايا التمييز للمحاكم طلبا للإنصاف؟

نظام حكم مثالي

يجتهد التقرير في تبيان أسس نظام الحكم في البحرين بأركانه الدستورية والتشريعية وفصل السلطات وتعاونها، ويطلب التقرير في استعراض مواد الميثاق والدستور والقوانين وآليات والمؤسسات الساهرة على تنفيذ هذه المواد، والتطور في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتمكين الديمقراطية والمساواة وتأمين الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والثقافية للمواطنين، وتشمل هذه:

- الفقرة "ب" من المادة 5: الحق في الأمن على شخصه وفي حماية الدولة من أي عنف أو أذى بدني يصدر سواء عن موظفين رسميين أو عن أية جماعة أو مؤسسة "الفقرات 116 - 125 من التقرير".

- الفقرة "ج" من المادة 5: الحقوق السياسية "الفقرات 126 - 138".

- الفقرة د "2" من المادة 5: حظر إبعاد المواطن عن مملكة البحرين أو منعه من العودة إليها وكذلك حقه في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده وذلك وفق التنظيم الذي يصدر به قانون "الفقرات 139 - 140".

- الفقرة د "3" المادة 5: الحق في الجنسية "الفقرة 141 - 145".

- الفقرة د "5" المادة 5: حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع الآخرين "الفقرة من 148 - 149".

- الفقرة د "6" المادة 5: حق الإرث "الفقرة من 150 - 151".

- الفقرة د "7" المادة 5: الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين "الفقرات 152 - 159".

- الفقرة د "9" المادة 5: الحق في حرية الاجتماع السلمي وتكوين الجمعيات السلمية والانتماء إليها "المواد 160 - 166".

- الفقرة هـ المادة 5: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية "الفقرات من 167 - 214".

- الفقرة "و" المادة 5: الحق في دخول أي مكان أو مرفق مخصص "انتفاع سواء الجمهور، مثل وسائل النقل والفنادق والمطاعم والمقاهي والمسارح والحدائق العامة.

- المادة 6: كفالة الدولة لكل إنسان داخل في ولايتها الرجوع إلى المحاكم الوطنية وغيرها من مؤسسات الدولة المختصة لحمايته ورفع الحيف عنه على نحو فعال بصدد أي عمل من أعمال التمييز العنصري... الخ "الفقرات 216 - 220".

- المادة 7: اتخاذ تدابير وخصوصا في مجال التربية والتعليم والثقافة والإعلام بغية مكافحة النعرات المؤدية إلى التمييز العنصري وتعزيز التفاهم والتسامح والصداقة بين الأمم والجماعات العرفية أو الإثنية الأخرى، وكذلك لنشر مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في هذا الاتفاق "الفقرات 221 - 245".

وينتهي التقرير بتأكيد التزام المملكة بالاتفاق واحترامه لحقوق الإنسان، بما في ذلك مبدأ المساواة ومنع أية صور من صور التمييز، كما تؤكد ذلك ممارسات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وأنه على رغم كل الإنجازات فإن سياسة المملكة قائمة على مواصلة التطور والتقدم ومعالجة أي قصور أو ثغرات.

الهوة الكبيرة بين القول والفعل

لاشك في أن من يقرأ التقرير الرسمي سيحسب نفسه يعيش في سويسرا وليس في مملكة البحرين، إذ وصل الأمر في لحظات صدق نادرة بمسئولين كبار الإقرار بالواقع الأليم الذي يعيشه غالبية المواطنين الذين تحاصرهم سياسة التمييز والامتيازات والإفقار وتعميق الفوارق الطبقية والأزمات المستحكمة مثل البطالة والإسكان والفقر، ولهذا انتشرت وتعمقت مظاهر مرضية مثل البغاء والمخدرات والسطو المسلح والعنف. وبذلت جهات عدة محاولات جادة لطرح سياسة التمييز ومظاهرها المختلفة وآثارها السلبية على الوحدة الوطنية والهوية والمشروع الإصلاحي واستقرار وتقدم البلاد. وإذا كان بعض هذه الجهات أخطأ في بعض جوانب المعالجة أو لم يكن دقيقا، فيمكن التصويب بتعاطي الدولة الإيجابي مع ذلك بالحوار وتصويب الطرح وإبراز الحقائق، ومن بين تلك الجهود:

1- التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في البحرين الذي أصدرته الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان للعامين 2002 و،2003 ووزعته على جميع وزارات ومؤسسات الدولة وكبار المسئولين، وباستثناء رد وزارة الداخلية على تقرير 2003 فإن أحدا في الدولة لم يكلف خاطره بالرد، علما بأنه تضمن فصلا كاملا عن التمييز.

2- عقد مركز البحرين للحقوق ندوة بعنوان: "التمييز والامتيازات في البحرين"، قدم فيها تقريرا وإحصاءات وبيانات عن التمييز في التوظيف في الدوائر الحكومية إلى جانب أوراق تقدم بها كل من المحامية جليلة السيد "التمييز رؤية قانونية"، والأمين العام للمركز عبدالهادي الخواجة "الامتيازات والتمييز... السبب والنتيجة"، ومداخلة مطولة لاستاذ علم الاجتماع بجامعة لوند عبدالهادي خلف، ثم تبعها نقاش عام. ورفض أي من المسئولين الذين دعوا للندوة الحضور، وكان على الحكومة أن توضح موقفها وترد على ما جاء في الندوة من اتهامات ووقائع نظرا لخطورة الموضوع. لكن ما جرى كان حملة افتراءات إعلامية في الصحف القريبة من الحكومة ضد المركز، وما جاء في الندوة من دون مناقشة أو تفنيد محتوياتها.

3- في البرلمان طرحت كل من الكتلتين الديمقراطية والإسلامية رغبة بقانون لتجريم التمييز ومن يمارسه، لكن الحكومة لم تستجب لذلك. كما أن كل الجهود التي بذلها بعض النواب لدى بعض الوزراء مثل وزير الدفاع والداخلية والتربية والمتعلقة بالتمييز الطائفي في التوظيف والترقية في وزاراتهم، لم تلق اهتماما، وبحكم تركيبة مجلس النواب الحالي فإنه لا يتوقع أن يصدر قانونا يجرم التمييز أو يحاسب وزيرا أو مسئولا يمارسه.

المشكلة في أن أية جمعية أو مجموعة أو شخص يقوم بطرح مشكلة التمييز والامتيازات يتهم بإثارة النعرة الطائفية وتهديد الوحدة الوطنية والمساس بهيبة الدولة والإساءة لسمعة البلاد، وبدلا من الإقرار بالمشكلة ومناقشة سبل حلها، واتخاذ إجراءات تشريعية وهيكلية وتبني سياسات عملية لمكافحتها، فإنه يجري الإطناب في امتداح السياسة الحكيمة للدولة.

وإذا كان مجيء جلالة الملك إلى الحكم والخطوات الشجاعة المعروفة التي اتخذها قد أخرجت البلاد من حال المواجهة، فإن تفعيل المشروع الإصلاحي وفي القلب منه مناهضة وتصفية سياسة التمييز، هو وحده الكفيل بعدم عودة البلاد إلى حال الاحتقان مرة أخرى

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 916 - الأربعاء 09 مارس 2005م الموافق 28 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً