العدد 916 - الأربعاء 09 مارس 2005م الموافق 28 محرم 1426هـ

"العفو الدولية"

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي توفي مؤسس منظمة العفو الدولية الحقوقي البريطاني بيتر بننسون عن عمر ناهز 83 عاما قضاها في خدمة العدالة الإنسانية.

لم يتوقع بننسون أنه سيؤسس أكبر حركة لحقوق الإنسان في العالم عندما كتب مقالا صحافيا العام 1961 تحدث فيه عن معاناة الرازحين في السجون بسبب اختلاف رأيهم مع رأي من بيدهم السلطة. وكان المقال يستهدف الإفراج عن عدد بسيط من سجناء الرأي، والحملة كانت مطروحة لمدة عام واحد فقط. ولكن بننسون مات بعد 44 عاما من تأسيس "العفو الدولية" التي تبنت خلال هذه الفترة معدل ألف قضية سجين عالميا، إذ شكلت لجانا وكتبت وثائق وطالبت السلطات في مختلف أنحاء العالم بالإفراج عن نحو 43500 شخص اعتبرتهم "سجناء رأي".

الفضل يعود لمنظمة العفو الدولية في إصدار تعريفات محددة لحقوق الإنسان، فهي تفرق بين "سجين الرأي" و"المعتقل السياسي". سجين الرأي هو الشخص الذي يبدي رأيا مخالفا للسلطات ويتم اعتقاله بسبب إبدائه رأيا مخالفا للسلطات ويتم اعتقاله بسبب إبدائه الرأي سلميا. أما المعتقل السياسي فهو الذي أبدى رأيا ومارس عملا سعى من خلاله لإسقاط النظام أو تغيير الوضع عبر أساليب القوة.

"العفو الدولية" تعتبر اعتقال "سجين الرأي" جريمة ضد الإنسانية وتطالب بإطلاق سراحه فورا ولا تقبل بأية مبررات لابقائه خلف القضبان. أما المعتقل السياسي فتطالب "العفو الدولية" بعدم تعذيبه والإسراع في تقديمه إلى محاكمة علنية عادلة ملتزمة بضوابط تعترف بها الأمم المتحدة وحركة حقوق الإنسان العالمية.

الاستجابة التي حصل عليها بننسون قبل 44 عاما لمقال نشره فاقت تصوره، وهو ما حدا به لتوسيع نشاطه ومقترحه ونتج عن ذلك تأسيس أهم منظمة تدافع عن حقوق الإنسان في العالم، تخاف من بياناتها الحكومات، وتنتظر وكالات الانباء أي إصدار منها لتبثه في مختلف انحاء العالم.

"العفو الدولية" لديها سكرتارية رسمية ولديها مؤسسة بحوث مسجلة رسميا في بريطانيا، ولكن هذا لا يشكل إلا جزءا يسيرا من حجمها، إذ إن جميع الناشطين ومجموعات العمل التي تنتشر في كل مدينة في بريطانيا وفي كل بلد في العالم إنما يعملون بصورة طوعية ومن دون الحاجة إلى التسجيل الرسمي. فهي تعتبر نفسها حركة إنسانية عالمية ومن واجب كل إنسان أن يدافع عن إنسانيته وعن حريته في التعبير عن الرأي، ولكي يدافع عن نفسه فإن عليه أن يمنع سجن أي شخص في أي مكان في العالم يسكن بين القضبان بسبب رأي أبداه أو نطق به ولم ترغب السلطة في هذا البلد أو ذاك بما قال فقامت باعتقاله.

في العام 1986 احتفلت "العفو الدولية" بيوبيلها الفضي واعتمدت رمزها الذي تنشره على إصداراتها وهو عبارة عن شمعة محاطة بأسلاك شائكة. حينها قال بننسون: "إن الشمعة لا تحترق من أجلنا، بل من أجل من عجزنا عن إنقاذهم من ظلمات السجون، ومن أزهقت أرواحهم وهم في طريقهم إلى السجون، ومن تجرعوا آلام التعذيب، ومن تعرضوا للاختطاف والاختفاء".

توفي بننسون بعد أن خلف منظمة عالمية لديها قرابة مليوني عضو ومؤيد في شتى أنحاء العالم، جميعهم يرفعون المبادئ التي رفعها قبل 44 عاما ويناضلون من أجل إنسانيتنا جميعا... فما أروعه من إنجاز إنساني وما أروع ذلك الإنسان الذي أسسها وغادر الدنيا مبتسما لأنه قدم ما لديه وأشعل من نفسه شمعة مضيئة لغيره

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 916 - الأربعاء 09 مارس 2005م الموافق 28 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً