يواجه رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير اختبارا عسيرا مماثلا للوضع الذي شهده تماما عقب قيامه بالتحالف العلني مع أميركا وسط معارضة مئات الحشود وخروج المسيرات التي تندد بالغزو وشن الحرب ضد العراق بطريقة تخالف الشرعية الدولية، وما أعقب ذلك من مقتل خبير الأسلحة البريطاني ديفيد كيلي.
كل تلك الحوادث جعلت بلير يشهد موقفا حرجا في التعاطي مع الرأي العام البريطاني لتبرير حرب العراق بذريعة أسلحة الدمار الشامل ودفعته إلى تشكيل لجنة للتحقيق في اغتيال كيلي برئاسة اللورد هاتن برأته من تهمة التورط في تدبير الحادث ليخرج كالشعرة من العجينة.
يبدو أن سيناريو المغالطات الذي استخدمه بلير سابقا يعود مجددا ولكن بأرضية أكثر صلابة وحزما لتمرير قانون مكافحة الإرهاب الذي يخول الشرطة صلاحيات اعتقال المشتبه في تدبيرهم هجمات إرهابية ووضعهم رهن الإقامة الجبرية في منازلهم، ونجح بلير حينما طرح المشروع على مجلس العموم "البرلمان" في تحقيق غالبية ضئيلة تصنف الأقل منذ توليه منصب رئاسة الوزراء العام .1997
ولاقى المشروع استنكارا من أعضاء حزبه "العمال" الحاكم إضافة إلى حزب المحافظين وحزب الديمقراطيين الأحرار داخل مجلس اللوردات، الأمر الذي دفع بلير إلى تقديم تنازلات وهو ضرورة الحصول على أمر قضائي ودراسة أمر الاعتقال لمدة 24 ساعة من تاريخ صدوره من الداخلية، لكن بقية الأحزاب ناشدت بتقديم تنازل آخر يسمح بعرضه على الوزراء في البرلمان لمناقشته والتعرف على نقاط الضعف من القوه في نوفمبر/ تشرين الثاني أي بعد ستة أشهر من تاريخ العمل بتطبيقه، الأمر الذي عارضه بلير ويأمل الموافقة عليه قبل انتهاء العمل بقانون الطوارئ في 14 مارس/ آذار الجاري.
وفي الجانب الأميركي كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن قيام الرئيس الأميركي جورج بوش بمنح صلاحيات واسعة لعناصر "سي آي ايه" لاعتقال مشتبهين ونقلهم عبر طائرات سرية إلى مناطق عربية لتعذيبهم كسورية ومصر والسعودية إضافة إلى أفغانستان قبل هجمات سبتمبر/ أيلول ،2001 ما دعا المنظمات الحقوقية تندد بالموقف الأميركي وخصوصا مع أساليب التعذيب المعمول بها في غوانتنامو.
"حقوق الإنسان" مفهوم فضفاض غاصت فيه دول تدعي الديمقراطية وتاهت في تدشين أطره وأساسياته في حين تجدها في الوقت نفسه تعمل على انتهاكه وفق أساليب تكتيكية وإصدار قوانين هي من صميم الانتهاكات لحقوق الإنسان لكن الفرق كبير بين ما تنادي بتحقيقه في الشرق الأوسط، وبين ما تمارسه في أراضيها
إقرأ أيضا لـ "أنور الحايكي"العدد 915 - الثلثاء 08 مارس 2005م الموافق 27 محرم 1426هـ