ورشة العمل التي نظمها مجلس التنمية الاقتصادية في 24 فبراير/ شباط الماضي تحدثت عن ضرورة تحويل دور الحكومة من مهمة الإدارة الاقتصادية "التشغيل" إلى مهمة التنظيم وضبط الأمور "بينما يقوم القطاع الخاص بالإدارة والتشغيل". ولكن المشكلة أن الاقتصاد حاليا يدار ويشغل من قبل الحكومة بنسبة 80 في المئة على الأقل. ولذلك فإن مجلس التنمية اقترح أيضا أن تقوم الحكومة بتحويل الأسهم التي تملكها في الشركات الكبرى مثل بابكو وألبا والبتروكيماويات وبناغاز وغيرها إلى "شركة قابضة" تقوم بإدارة جميع هذه المؤسسات على أساس نظام السوق وتخضع بذلك لمتطلبات القطاع الخاص.
ويثير موضوع دور الحكومة الكثير من الاشكالات الأخرى؛ فالاقتصاد البحريني بيد الحكومة بشكل كثيف منذ اكتشاف النفط في الثلاثينات، ويمكن اعتبار الخمسينات من القرن الماضي آخر فترة كان فيها التجار وأصحاب الأعمال "القطاع الخاص" يمثلون أي ثقل يذكر. وخلال العقود الأربعة الماضية أصبح القطاع الخاص تابعا خائفا ومرعوبا من الحكومة، لأن الحكومة تستطيع أن تخنق من تشاء وتستطيع أن تخلق تجارا كبارا من الصفر بمجرد أن تحول عليهم مناقصات الدولة.
في القرن التاسع عشر الميلادي كانت الدولة القومية قد برزت إلى الوجود في أوروبا وانتشرت حينها فكرة LAISSEZ FAIRE وهي تعني أن الحكومة يجب أن تحصر دورها الاقتصادي في تطبيق القانون لمنع الجرائم وأنه محرم عليها التدخل بأي شكل من الأشكال في الشأن الاقتصادي مهما حصل لحركة السوق "القطاع الخاص".
على الطرف الآخر برزت لاحقا فكرة الدولة الاشتراكية التي تقول إن الحكومة تنوب عن الشعب في تخطيط الاقتصاد بصورة مركزية وان حركة السوق ما هي إلا قرار حكومي يحرك هذا الإنتاج ويوقف ذلك النشاط بحسب الخطة المركزية للتخطيط. ولذلك برزت فكرة "القطاع العام".
الفكرتان أعلاه فشلتا، فالليبرالية غير المحدودة أدت إلى انهيار أسواق المال وإلى تلاعب المضاربين بمصير الناس، بينما أدى التخطيط المركزي الصارم إلى خنق الإبداع وجمود الاقتصاد، إذ انتشرت في الدولة الاشتراكية مظاهر البؤس والحرمان والفساد بدلا من تأدية دورها الذي وعدت به وهو خلق حال المساواة بين الجميع في الثروة الوطنية.
وحاليا فإن الأنموذج الناجح هو أن تأخذ الحكومة دور المشرف المحايد على الضوابط وعلى الحكومة أن تتنازل عن أي شيء يستطيع القطاع الخاص القيام به، شريطة ألا يفسح هذا الأمر للاحتكار وإنما لزيادة التنافسية والجودة.
الحكومة في هذه الحال توفر بيئة قانونية للشفافية في الاجراءات، كما أن الحكومة تلعب دورا تأمينيا للقطاعات الاستراتيجية الناشئة. فمثلا: بعض الأعمال تحتاج إلى استثمارات ضخمة يعجز عنها القطاع الخاص، وفي هذه الحال تقوم الحكومة بالبدء بها واستثمار المال العام في البنية التحتية ومن ثم تحفز القطاع الخاص للدخول في مجالات تكون الحكومة قد أمنت جانبا كبيرا من متطلباتها لمنعها من الاندثار وتدمير من يدخل فيها لأي سبب كان. وعلى هذا الأساس فإن الحكومات - مثلا - تعطي تسهيلات مالية وتعطي إعفاءات عن الضرائب وتوفر أراضي وغيرها للشركات التي توافق على تنشيط دورها في واحد من القطاعات الاستراتيجية التي تبدأها وتحفز عليها من أجل مصلحة البلاد المستقبلية... وهذا هو الدور الذي نأمل أن تقوم به حكومتنا، فتتخلى بذلك عن الأسلوب الحالي في إدارة الاقتصاد
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 915 - الثلثاء 08 مارس 2005م الموافق 27 محرم 1426هـ