العدد 2400 - الأربعاء 01 أبريل 2009م الموافق 05 ربيع الثاني 1430هـ

قدرة على السرد ورومانسية

جورج شامي...

من خلال قراءة (عصير الزنزلخت) رواية الكاتب اللبناني المخضرم جورج شامي تتشكل لدى القارئ انطباعات على رأسها أن الكاتب يؤكد من جديد قدرته السردية الجيدة وأن شعر القارئ بأن الكاتب يمعن في السرد أو «يطنب» فيه وفقا لتعبير البلاغيين العرب القدامى.

قد يشعر القارئ أيضا بأن جورج شامي لا يعطي الشخصية الروائية عنده ما يمكن لكاتب في مستواه أن يعطيها. القصد من هذا القول أننا ربما شعرنا أحيانا بأن شخصياته لا «تعيش» حياتها فعلا فنشعر بدم الحياة فيها حارا.

ليس بمستغرب والحالة هذه إن شعر القارئ في هذا المجال بأن شخصيات الكاتب إنما هي وسيلة لتجسيد أفكار وآراء ومفاهيم فكأنها «فصّلت» لتصل إلى نتائج فكرية أو خلقية معينة.

وعلى رغم سعي الكاتب إلى «الغوص» في النفس البشرية فقد جاء تجسيده لهذا الأمر أقرب إلى غوص ذهني لا إلى حركة حياة ونبض يترجح بين حالة وأخرى.

وربما كان النجاح الأكبر لشامي في عمله الجديد هذا أنه من خلال امتلاء روايته بالوقائع التاريخية العربية واللبنانية الحديثة وبنواحي الحياة الاجتماعية اللبنانية في مرحلة من الزمن قد استطاع أن يحوّل هذه المادة من معلومات جافة نوعا ما يمكن أن نجدها في الصحف أو كتب التاريخ مثلا إلى مادة سردية تلذ قراءتها.

الكتاب جاء في 158 صفحة متوسطة القطع صدر عن دار (رياض الريس للكتب والنشر).

والزنزلخت الذي يعرف بالفصحى أيضا باسم «الازدرخت» شجر «علقمي» الطعم من حيث مرارته الشديدة ورقا وحبيبات.

وشامي كاتب وصحافي عريق تولى في فترة ماضية مركز مدير كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية.

سعى شامي إلى أن تكون روايته «قصتين» اثنتين قصة كتبها الكاتب وقصة قال إن صديقا له بدأها ولم يستطع إكمالها قبل موته فقام الأول ونشر القسم الذي عثر عليه منها.

تتحدث الرواية عن علاقة صداقة بين شاب ورجل أكبر منه سنا بين أستاذ وتلميذه. كان تلميذا فعليا له في المدرسة ثم أصبح تلميذا له «فكريا» وفي عالم الصحافة.

يبدأ شامي روايته وبلغته الشعرية من ناحية والطلية سرديا من ناحية أخرى بأن يضعنا في جو العلاقة بين بطل الرواية وأستاذه الذي هو صديقه.

يقول «بيني وبين أستاذي إبراهيم حورية تدعى (ميرا) أفني زهرة شبابه في إبداعها سحرتني قبل أن أتعرف إليها وجعلني أتعلق بها من كثرة ما روى عنها وما تسنى لي أن المسها ولا أن أملي عيني بالنظر إلى جمالها وأنوثتها لا صدفة ولا عمدا.

«كل ما أعرفه عنها جزء من تخيلات وتصورات بعضها تراءى لي في دغش العتمة وبعضها في النور وفي وضح النهار. لقد صاغها أستاذي كلمات مذهّبة وعبارات من ألماس وأحجار كريمة وغيبها في الوجدان وفي الذاكرة ثم عاش من بعدها حياة مختلفة تماما حياة من التشرد والضياع».

تجري أحداث القصة بين فترة خمسينيات القرن العشرين والحرب الأهلية التي بدأت عام 1975. الخلاف بين التلميذ وأستاذه والذي لم يجاهر به التلميذ بدأ بسبب اكتشاف التلميذ أن أستاذه المثالي الذي يرفض أن يتزوج فتاة قبّلها أحد من قبله أو كما يعبر عن الأمر بالمحكية اللبنانية أن من سيتزوجها «لازم تكون ما باس تمّها غير أمها».

إلا أن الصديق الشاب اكتشف أن صديقه الأستاذ يقيم علاقة سرية بامرأة متزوجة سيئة السمعة وذات أولاد وأنه يزورها ليلا عندما يكون زوجها خارج بيروت.

غضب الصديق الشاب وثار إلى درجة النقمة على الأستاذ بل بدا للقارئ كأنه كان على استعداد للإساءة إليه وربما قتله. إنه تصرف أو تفكير غريب غير مفهوم. وقد تزوج الأستاذ لاحقا من امرأة مطلقة وأنجب منها أولادا لكنه مات قبل أن يكمل روايته «ميرا».

«قصتا» شامي في الرواية سارتا كما يلي... كان التلميذ قد عثر خفية على القسم الذي كتبه الأستاذ من روايته. ولما مات الأستاذ شعر الطالب بأن عليه أن ينشر ما كتبه صديقه الراحل. فنشر القصة أو ذلك القسم منها.

وعلى رغم سخرية الكاتب من «الرومانسية» لأنها تغرق في «الغنائية» فقد جاءت رواية (عصير الزنزلخت) حافلة بسمات رومانسية متعددة.

شخصيات الرواية هم إجمالا من النخبة الفكرية والفنية. وكثير من الحوارات والأحداث تتناول موضوعات فكرية وثقافية وآراء ونظريات من علم النفس وغير ذلك وليس ثمة «أشخاص عاديون» فيها. وكما أسلفنا فإننا ربما شعرنا أحيانا بأن الشخصيات تأتي لتنطق بهذه الآراء وليست لها إجمالا حياة خاصة بها.

في الرواية عرض لإحداث متعددة منذ الخمسينيات جرت في لبنان و بلدان عربية. سرد تاريخي لكنه سعى بنجاح إلى أن يكون قصصيا.

تحدث الكاتب عن أحداث وحروب عربية ولبنانية وفي النص أراء ومواقف فكرية وسياسية لكنها كما أسلفنا تسرد بطلاوة وشعرية.

نقرأ مثلا «كانت طريق الليل طريق البوح والسكينة. وكان لصمت الشوارع والطرقات التي نمر بها بدقة وانضباط أشبه بدبيب النمل معنى يدل دلالة واضحة على ما تختزن الأبنية المحيطة بها من القلق والخوف على المستقبل الغامض الذي ترتسم ملامحه أول مرة في حياة الوطن الصغير الذي يحاول أن يلعب دورا أكبر من حضوره على الساحة العربية!...»

ويسرد ما يجمع بين الروائي والصحافي... أحداثا عربية كحرب السويس وما سبقها وتبعها والصراع بين حلف بغداد والكتلة العربية المناوئة له وأنشطة دول عدم الانحياز وغير ذلك في سعي إلى إبراز سمات ذلك العصر.

في النص كثير من الكلام الفكري والفكري السياسي والنقدي الأدبي فيكاد القارئ يشعر بأن طرح هذه الأمور ومناقشتها هو الأصل وان الشخصيات أو «الشخصيتين» هما مجرد وسيلة لهذا الأمر.

العدد 2400 - الأربعاء 01 أبريل 2009م الموافق 05 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً