عن منشورات مجلة مرآة الوسط، صدر حديثا للكاتب والصحفي التونسي محمود الحرشاني، كتاب جديد يحمل عنوان «بين الأدب والسياسة» في 112 صفحة من القطع المتوسط ضمن سلسلة كتاب مرآة الوسط، التي بلغت بهذا العنوان الجديد إصدارها السابع الذي تنشره.
وقد حوى الكتاب مجموعة من المقالات والتأملات من مواضيع سياسية وثقافية وأدبية وإعلامية... وتصدّرت الكتاب مقدمة أوضح فيها الكاتب غرضه من جمع هذه المقالات والتأملات في كتاب حيث بيّن أن الذي كان حاضرا باستمرار في ذهنه وهو يكتب هذه المقالات ويدفع بها إلى النشر هو أن تاريخ الاسم والشعوب عندما يكتب لا يستثني الأحداث الصغيرة التي تشكّل النسغ الذي تتغذّى منه الأحداث الكبيرة لذلك فإن الإشارة إلى بعض الوحدات العابرة في هذا الكتاب إنما هي من قبيل التأريخ للحظات المهمّة في حياتنا... ملاحظا أن الكتاب هو محاولة للمسك بتلابيب لحظات الزمن الهاربة.
قسّم المؤلّف كتابه إلى قسمين، قسم يحتوي على المقالات السياسية، أو ذات الطابع السياسي وقسم يحتوي على المقالات الثقافية، كما أدرج في نهاية الكتاب مجموعة الشهادات لعدد من النقاد والأساتذة الجامعيين حول كتبه السابقة التي نشرها، وهي شهادات مهمّة تساعد على دراسة تجربة الكاتب في مجال الكتابة وخصوصا كتابة المقال الصحفي.
الجانب السياسي من الكتاب، تضمن عديد المقالات والخواطر والآراء حول أحداث سياسية عاشتها تونس، ولكن ميزة هذه المقالات أنها لا تتوقف عند الحدث في حدّ ذاته، وإنما تنطلق منه لتقرأ في أبعاده وخلفياته. فالذي يقرأ هذه المقالات التي كتبها المؤلّف بحسّه الصحفي والسياسي يقف على جملة من الحقائق التي تساعده على فهم التجربة التونسية والاقتراب منها، وتطالعنا في هذا الجانب مقالات عن اختيار القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية سنة 2009. وأحداث مدينة الثقافة في تونس، ولا يفوت الكاتب مناسبة الاحتفال بالذكرى العشرين لتحول السابع من نوفمبر فيبرز ما تحقق في تونس من مكاسب ويؤكد أن تحوّل السابع من نوفمبر هو أجمل ذكرى في حياة التونسيين لأنه شكّل مرحلة فاصلة في تاريخ البلاد كما يخصص مقالا للحديث عن الاحتفال بالذكرى الخمسين لإعلان الجمهورية وقيام النظام الجمهوري في تونس. ويقرأ في أبعاد حديث الرئيس زين العابدين بن علي إلى مجلة الحوادث اللبنانية وهو حديث مرجعي. ويبرز ما أصبح قائما في تونس من قيم التضامن والاعتدال والتسامح.
أما الجانب الثقافي في كتاب محمود الحرشاني الجديد الصادر حديثا فهو جانب نابض بالحياة، فنجد في هذا القسم مقالات تتحدث عن البرامج الموجهة للأطفال في التلفزيون وضرورة مراقبة ما يقدم لهم والتعاون العربي من أجل إيجاد صناعة برامج الأطفال تغني عن استيراد هذه البرامج من الخارج والتي تحمل في كثير منها السم في الدسم.
ويرحل بنا إلى قرطبة ويستعيد قصة حب ولادة وابن زيدون ويذهب بنا إلى قفصة التي استوحى من أجوائها الكاتب الروائي التونسي عبدالقادر بلحاج نصر روايته الجديدة الطرميل. ويتوقف عنه موضوع الأغنية ليكتب عما أصاب الأغنية العربية من لوثة التحديث، حيث غابت اليوم الأغاني الجميلة مع رحيل عمالقة الغناء العربي ويتحدث في مقال طريف عن نشوء العبقرية ومدى ارتباطها ببيئة ومحيط معينين فيقول إن العبقرية في كل مكان وزمان هي نتاج الإصرار والمعاناة والفكر الخلاق، وليس شرطا من شروطها أن تنشأ وتترعرع في القصور الفخمة والأوساط الراقية كما أنه ليس شرطا من شروطها أن تنشأ في البيوت المتواضعة أنه لا يمكن لنا أن نحصر العبقرية في مناخ معين، هي تولد وتترعرع وتزدهر في المناخ الذي يلائمها. والسؤال الآن، هل كان الكاتب يتحدث عن نفسه في هذه المقالات، أي أنه كان يكتب فصولا من سيرته الذاتية.
لا يمكن لنا الجزم بصحة هذا الرأي أو عدمه طالما أن مقالات الكتاب هي في النهاية مواقف لصاحبها صاغها متسلحا بتجربته الإعلامية والصحفية... جعلته يتحدث عن السياسة بلغة الثقافة ويتحدث عن الثقافة بلغة السياسة.
الغلاف الأخير للكتاب تضمن مقتطفات من شهادتي عبدالرزاق الخمامي حول كتاب محمود الحرشاني (مذكرات صحفي في الوطن العربي) وحاتم النقاطي حول كتاب المؤلف بعنوان البحث عن فكرة، ومما قاله عبدالرزاق الحمامي ما يعكس نضج التجربة الصحفية عند محمود الحرشاني حيث يقول: « إن المؤلف متسلح بجرأة وإصرار على قول الحقائق كما هي، دون تجميل أو تزويق أو أقنعة، ولعل صراحة لهجته تزعج المتعلمين فقط، لكنها محببة إلى النفس يشعر القارئ أمامها بأن الصحافة لاتزال بخير ما دام فيها الإصرار على الأمانة والحرص على إبلاغ المعلومة، أما حاتم النقاطي فيقول إن محمود الحرشاني من خلال ما يكتبه يؤسس لذاته رافدا ثقافيا يميزه عن غيره من الكتاب الصحافيين لحرصه المتجدد على تنويع مادته الثقافة المنشورة.
العدد 2400 - الأربعاء 01 أبريل 2009م الموافق 05 ربيع الثاني 1430هـ