ربطت البحرين بشرق الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ بعدة روابط، فقبل تكون جزيرة البحرين كانت جزءا من شرق الجزيرة العربية لا يفصل بينهما ماء، وبعد انفصالهما بقيا مرتبطتين بعلاقات تاريخية وطيدة. هناك العديد من القواسم المشتركة بين البحرين وشرق الجزيرة العربية، قواسم تاريخية، تشابه لهجات، تشابه علامات جينية معينة، تشابه ثقافي، ولكل هذا التشابه جذور. لقد توحدت تلك المناطق حتى في الأسماء. فقد أعطيت الحضارة التي تكونت على جزر البحرين وشرق الجزيرة العربية مسمى «دلمون»، وبعد اضمحلال ذكر دلمون عادت المنطقتان لتتوحدا تحت مسمى آخر هو «البحرين».
ويجدر بنا قبل نقاش تطور الحضارة وعلى أرض البحرين وتشابهها مع شرق الجزيرة العربية أن نناقش أولا تلك المسميات التي ربطت بينهما وتحديد من أين جاءت هذه التسميات، و متى حدث الانفصال عن شرق الجزيرة العربية. ولا يمكننا المرور على هذه المسميات بهذه البساطة، فقد شغلت هذه المسميات الباحثين على مدى عصور ويجدر بنا هنا أن نلخص أهم الملاحظات بشأن هذه الأسماء.
نشأ الاسم «دلمون» في بلاد الرافدين وربما كان الاسم «دلمون» اسم أسطوري، إلا أننا لا نستطيع الجزم بذلك، ولكن يمكننا الحكم من خلال ارتباط الاسم بأساطير أن شعب بلاد الرافدين لابد أن يكون عرف الاسم «دلمون» قبل أقدم توثيق له من قبل هذه الشعوب. ويقال إن اسم دلمون ما هو إلا مرادف ل «جنة عدن» وأنه مكان أسطوري. لا نعلم كيف توارث شعب بلاد الرافدين هذا الاسم ربما من الديانات السماوية القديمة. ومع مرور الزمن ربط اسم «دلمون» بالحقائق والأساطير والروايات. واستمر في ذلك حتى ارتبط الاسم بمكان حقيقي.
وبلا شك أن اسم «دلمون» ارتبط بمنطقة جغرافية لها أهميتها بالنسبة لشعوب بلاد الرافدين. لكن هذا الارتباط مر بمرحلتين على الأقل أي أن هناك منطقتين عرفتا بدلمون على الأقل: عرفت الأولى باسم دلمون الأولى والثانية باسم دلمون الثانية.
يرجح الباحثون المتخصصون من خلال التنقيبات واللقى الأثرية التي عثر عليها في جزيرة البحرين أنه من المستحيل أن تكون جزيرة البحرين هي المقصودة بدلمون في كتابات الألف الرابع ونهاية الألف الثالث قبل الميلاد. فلا شيء يوحي أن البحرين كانت نحو 3000 - 2500 ق. م. مجتمع متطور له اتصال بجنوبي بلاد ما بين النهرين، ويرجح البعض أن دلمون كانت البر المقابل «أي شرق الجزيرة العربية».
إلا أن تحديد دلمون الأولى أصبح موضع اجتهاد مفتوح لمن أراد البحث، وقد أدت هذه النظرة المنفتحة لفكرة أن هناك دلمون أخرى وهي دلمون الأولى. ودلمون الأولى هذه اختلف في تحديد موقعها. فمنهم من قال هي القرنة في العراق وآخر جعلها في جبال الأناضول ومنهم من حدد وجودها في شبه القارة الهندية، وغيرها.
ولكل من تلك الآراء مناصرين يساندون نظريتهم بالحجج والدلائل.
أصبح من المسلمات أن جزيرة البحرين هي دلمون في هذه الفترة وأن اسم دلمون قد يتسع ليشمل جزيرة فيلكا والساحل الشرقي للجزيرة العربية، وقد يتقلص ليشمل جزر البحرين فقط.
ومنذ هذا التاريخ ربط اسم دلمون بالحضارة المشتركة التي تكونت في شرق الجزيرة العربية وجزر البحرين. وقد خضعت كلتا المنطقتين لنفس السيطرة السياسية وتعرضت لنفس موجات الهجرة، باختصار كانتا تقريبا جسدا واحدا. وحتى بعد أن اضمحل ذكر دلمون، واستقلت جزر البحرين بمسميات أخرى كتايلوس أو الأسماء اللاحقة كسماهيج (مشماهيج) وأوال وغيرها، إلا أنها مالبثت وأن توحدت تحت مسمى آخر وهو اسم «البحرين».
كان اسم البحرين جامعا لشرق الجزيرة العربية وجزيرة البحرين، وقد اجتهد عدد من الكتاب في أصل هذه التسمية، وقد جمع ياقوت الحموي في معجمه جملة من تلك الآراء ونص الحموي كالتالي:
«وقال أبو بكر محمد بن القاسم: في اشتقاق البحرين وجهان: يجوز أن يكون مأخوذا من قول العرب بحرت الناقة إذا شققت أذنها، والبحيرة: المشقوقة الأذن من قول الله تعالى: «الوسط» ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام؛ والسائبة معناها: إن الرجل في الجاهلية كان يسيب من ماله فيذهب به إلى سدنة الآلهة؛ ويقال: السائبة الناقة التي كانت إذا ولدت عشرة أبطن كلهن أناث سيبت فلم تركب ولم يجز لها وبر وبحرت أذن ابنتها أي خرقت. والبحيرة: هي ابنة السائبة، وهي تجري عندهم مجرى أمها في التحريم؛ قال: ويجوز أن يكون البحرين من قول العرب: قد بحر البعير بحرا إذا أولع بالماء فأصابه منه داء، ويقال: قد أبحرت الروضة إبحارا إذا كثر إنقاع الماء فيها فأنبت النبات، ويقال للروضة: البحرة، ويقال للدم الذي ليست في صفرة: دم باحري وبحراني، قلت: هذا كله تعسف لا يشبه أن يكون اشتقاقا للبحرين، والصحيح عندنا ما ذكره أبو منصور الأزهري، قال: إنما سموا البحرين لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الإحساء، وقرى هجر بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ، قال: وقدرت هذه البحيرة ثلاثة أميال في مثلها، ولا يفيض ماؤها، وماؤها راكد زعاف». انتهى.
ويلاحظ أن ياقوت الحموي قد رجح منها قول الأزهري. وهناك نصوص أخرى ترجح رأي الأزهري لم يذكرها ياقوت الحموي، منها رأي الهمداني في كتاب «صفة جزيرة العرب»، ومنها ما نقل عن الأصمعي في أكثر من مرجع وننقل هنا نص الأصمعي نقلا عن الحازمي في كتابه الأماكن:
«قال الأصمعي: إنما سميت البحرين لأنهما عينان بينهما مسيرة ثلاث إحداهما محلم، والأخرى قضبى، وهي خبيثة الماء، على إحداهما هجر، وعلى الأخرى قطيف وهي الخط.»
و يرى اللغويون أن اسم «البحرين» مثنى بحر وقد ربط المتأخرين من الكتاب بين الاسم وظاهرة وجود عيون المياه العذبة حول جزر البحرين إلا أن الثابت أن اسم البحرين سابقا كان يخص شرق الجزيرة العربية مع جزر البحرين الحالية التي كانت تسمى (أوال)، ووجود العيون العذبة البحرية التي تتفجر وسط البحر ارتبطت أساسا بجزر البحرين لكثرة هذه العيون حولها، وهكذا ربط البعض تسمية «البحرين» بهذه العيون الطبيعية أي بحر من المياه العذبة وبحر من المياه المالحة.
وجميع المراجع المتقدمة والمتأخرة ترى أن اسم «البحرين» هو مثنى بحر، وينفرد الأستاذ رشدي ملحس الذي نشر دراسة في جريدة «البلاد السعودية» (12/5/1366 هجرية) ونقل عنه حمد الجاسر في معجمه، يقول ملحس بعد إيراد المتقدمين في اشتقاق كلمة البحرين:
«هذا تعليل فاسد، يعدو الحدس والتخمين والصواب أن البحرين لفظة حميرية قديمة، اصطلحت عليها القبائل الحميرية التي نزلت في هذه المنطقة وهي مشتقة من (بحر) و هو اليم. و (ين) أداة التعريف في اللغة الحميرية. ومعناها اللغوي البحر. وأما في الاصطلاح الجغرافي فهو المقاطعة البحرية لأنها واقعة على ريف البحر، أو لأنها تشبه البحر في غزارة مياهها وكثرة عيونها. وقد أسماها الآشوريون (مات تمتم) أي الأراضي البحرية. أما أداة التعريف الأولى فزائدة أضافها المتأخرون والفرنجة يكتبونها بحذف الألف واللام وهو أقرب للصحة». أتهى
اقتصار اسم البحرين على جزر البحرين فقط
ما يفهم عن البحرين من خلال المصادر التي ذكرتها أنه اسم كان يخص شرق الجزيرة العربية، أو ناحية بعينها في شرق الجزيرة، وأن جزر البحرين الحالية لم تكن تعرف بالبحرين في زمن الجاهلية أو حتى صدر الإسلام وإنما كانت تعرف باسم جزيرة أوال، وأحيانا سماهيج و هو اسم خصت به جزيرة المحرق فيما بعد، وربما عرفت جزر البحرين بجزيرة ابن كاوان و خص هذا الاسم لاحقا بجزيرة النبيه صالح.
ومن المتفق عليه أن اسم البحرين خصت به جزر البحرين في فترات لاحقه، ولا نعلم بالتحديد متى خصت جزر البحرين بهذا الاسم، إلا أن أول من خصها بذلك هو الأدريسي المتوفي في العام 560 هجرية (1165 ميلادية) في كتابه نزهة المشتاق. ويرى الأدريسي أن الأصل هي جزر البحرين التي عرفت بهذا الاسم فيقول:
«وسميت البحرين بجزيرة أوال وذلك أن جزيرة أوال بينها وبين بر فارس مجرى ومنها إلى بر العرب مجرى وهي 6 أميال طولا و6 أميال عرضا ومنها إلى البصرة 540 ميلا لأن أيضا من جزيرة أوال إلى جزيرة خارك مئتان وأربعون ميلا».
و يعلق المؤرخ حمد الجاسر على هذا الرأي بقوله إن الأدريسي عوّل على كتاب العذري الذي ألفه العام 417 هجرية (1026 م).
ويكمل الادريسي قوله عن أوال :
«وجزيرة أوال جزيرة حسنة بها مدينة كبيرة تسمى البحرين وهي عامرة حسنة خصيبة كثيرة الزروع والنخل وفيها عيون ماء كثيرة ومياهها عذبة منها عين تسمى عين بو زيدان ومنها عين مريلغة ومنها عين غذار وكلها في وسط البلد وفي هذه العيون مياه كثيرة نابعة مترعة دفاعة تطحن عليها الأرحاء فالعين المسماة عين غذار فيها عجب لمبصرها وذلك أنها عين كبيرة قدرا مستديرة الفم في عرض ستين شبرا والماء يخرج منها وعمقها يشف على خمسين قامة وقد وزن المهندسون وحذاق العلماء علو فمها فوجدوه مساويا لسطح البحر وعامة أهل البلاد التي في هذه الجهة يزعمون أنها متصلة بالبحر ولا اختلاف بينهم في ذلك وهذا غلط ومحال لا يشك فيه لأن لعين ماؤها حلو عذب لذيذ شهي بارد وماء البحر حار زعاق ولو كانت كما زعموا لكان ماؤها ملحا كماء البحر».
و المقصود بالمدينة هنا هي «البلاد القديم» وعين عذار أو غذار هي عين عذاري. ونلاحظ من قول الأدريسي إن اسم البحرين كان يخص جزيرة أوال ومن ثم اقتصر على مدينة في جزيرة أوال.
و يبدو مما سبق أن جزر البحرين خصت بهذا الاسم منذ القرن الحادي عشر أو الثاني عشر الميلاديين. فيلاحظ أن من كتب عن جزر البحرين بعد الأدريسي خصها بهذا الاسم. نذكر من هؤلاء الكتاب ابن المجاور (وهو فارسي وليس ابن المجاور الشيباني الدمشقي) وقد قدم من الديبل إلى بلاد العرب سنة 618 هجرية (1221م) ودخل جدة سنة 621 هجرية (1224م). وقد وصف ابن المجاور جزيرة أوال وسماها البحرين، فقد جاء في كتابه «تاريخ المستبصر» مايلي:
«صفة البحرين: وهي جزيرة في صدر بحر فارس كما أن القلزم في صدر بحر الحبشة. ويقال إنهم جزيرة في بحر مالح فوق بحر عذب فلأجل ذلك سمي البحرين. حدثني جماعة من أهل البلاد قالوا: إذا غاص إنسان بين الماءين وشرب فشرب ماء عذبا فتراه وأعلاه ماء مالح ملج أجاجا. وقال: ما سميت البحرين بحرينا إلا لأجل البحر وأهلها العرب شبه البحر في كرمهم، أي بلاد تسمى البحرين بحر ماء وبحر خلق. وتسمى الجزيرة جزيرة أوال وبها 360 قرية إمامية المذهب ما خلا قرية واحدة. ومأكلهم التمر والسمك من مأذي رائحة وطعم رفن. وقال آخرون: إن جزيرة أوال هي أوسط مغاص البحرين ولا أصفى ولا أكثر ماوية من لؤلؤه، وهي جزيرة في صدر الغبة وبر العرب وفارس مستدار حولها. كما قال:
درست صورت تو و دريا دو جشم من ... أي دور مانده زدريا جكونئي»
ومن بعد ابن المجاور أحمد بن ماجد المتوفي في العام 1489 م يذكر جزيرة أوال باسم البحرين.
النسب للبحرين
في الوقت الراهن يقال في النسب للبحرين «بحريني»، أما قديما فقد كان النسب لها «بحراني»، إلا أن تخصيص لفظة «بحراني» بفئة معينة وارتباطها بهم وتغير معناها الدلالي وعليه اكتسبت لفظة «بحراني» دلالات إثنية أوسع من جزيرة البحرين نفسها وبذلك اختيرت لفظة «بحريني» لتكون للنسب. وقد حدث نقاش بين اللغويين في مسألة النسب للبحرين نورده هنا نقلا عن معجم لسان العرب لابن منظور:
«قال السهيلي، رحمه الله تعالى: زعم ابن سيده في كتاب المحكم أن العرب تنسب إلى البحر بحراني، على غير قياس، وإنه من شواذ النسب؛ ونسب هذا القول إلى سيبويه والخليل، رحمهما الله تعالى، وما قاله سيبويه قط، وإنما قال في شواذ النسب: تقول في بهراء بهراني وفـي صنعاء صنعاني، كما تقول بحراني في النسب إلى البحرين التي هي مدينة، قال: وعلى هذا تلقاه جميع النحاة وتأولوه من كلام سيبويه، قال: وإنما اشتبه على ابن سيده لقول الخليل في هذه المسألة أعني مسألة النسب إلى البحرين، كأنهم بنوا البحر على بحران، وإنما أراد لفظ البحرين، ألا تراه يقول فـي كتاب العين: تقول بحراني فـي النسب إلى البحرين، ولم يذكر النسب إلى البحر أصلا، للعلم به وأنه على قياس جار. قال: وفي الغريب المصنف عن الزيدي أنه قال: إنما قالوا بحراني في النسب إلى البحرين، ولم يقولوا بحري ليفرقوا بينه وبين النسب إلى البحر».
العدد 2400 - الأربعاء 01 أبريل 2009م الموافق 05 ربيع الثاني 1430هـ
كييييييييييييييييوت
ابي اعرررررف ليش سمو دلمون جنة الالهة