العدد 914 - الإثنين 07 مارس 2005م الموافق 26 محرم 1426هـ

"المستنقع" اللبناني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

المبادرة الاستراتيجية التي أعلنها الرئيس السوري بشار الأسد وإبداء استعداده للخروج من "المستنقع" اللبناني إذا صح التعبير أربك القيادات الأميركية - الإسرائيلية التي كانت تخطط لاستغلال هذا الوجود لتمرير مشروعها التقويضي في المنطقة.

قرار المبادرة اتخذ وبقي على الهيئات المسئولة اللبنانية - السورية وضع جدول زمني للانسحاب الكامل. الجدول الزمني مسألة مهمة وهو يتعلق بأكثر من جانب. فالانسحاب ليس عسكريا فقط وإنما هو ذو صلة بالوضع الأمني الداخلي واحتمال حصول فراغ سياسي. فالوجود السوري في لبنان على رغم طابعه العسكري - الأمني ليس مؤقتا بحكم علاقات الجوار والجغرافيا السياسية. كذلك ليس بسيطا بحكم العلاقات المركبة التي تجمع سورية ولبنان.

مسألة الانسحاب العسكري - الأمني لا تعني بالضرورة ولا يمكن أن تعني في أي حال من الأحوال خروج سورية من لبنان. فالموضوع أعقد مما يتصوره بعض المتحمسين وتلك التيارات التي تقرأ السياسة والمصالح بمنظار أيديولوجي.

الخروج الكامل ليس واردا، لأن مقتضيات المصالح والمنافع والجوار "الجغرافي - السياسي" لها اعتباراتها وشروطها وهي في النهاية ستعيد إنتاج علاقة صحيحة ومتوازنة ستعود بالتأكيد بالمكاسب المشتركة والمتبادلة بين البلدين. فسورية هي عمق لبنان الاستراتيجي وهي مدخل البلد وممره إلى الداخل العربي. كذلك لبنان يشكل ميدانيا وسياسيا وأمنيا وعسكريا المدى المطلوب لدمشق. وسورية لا تستطيع أن تستغني عنه أو تتجاهل ماذا يجري على أرضه.

العلاقات السورية - اللبنانية إذا أكبر بكثير من مسألة الانسحاب العسكري - الأمني، لأن تلك العلاقات ليست أيديولوجية "مصطنعة" وإنما هي جغرافية - سياسية من الصعب فكها أو عزلها أو منع تأثيراتها المتبادلة سلبا وإيجابا. فما يصيب سورية يصيب لبنان والعكس.

العلاقات الثنائية أيضا علاقات تاريخية عريقة وعميقة وهي أكبر بكثير من الأيديولوجيا. فالأيديولوجيا "الشعارات، والمزايدات" ربما أساءت كثيرا إلى تلك العلاقات ووضعتها في مكان غير طبيعي وصحيح، وربما أسهمت عن غير قصد في إنتاج تصورات لبنانية عنصرية - فوقية تخالف التقاليد والأعراف والمصالح المتبادلة والمصير المشترك.

الشعارات الأيديولوجية أساءت كثيرا إلى تلك العلاقات الجغرافية - التاريخية حين أسست ثقافة "حزبية" بين لبنان وسورية وعزلت تلك المصالح واختزلتها في بعض "الكليشهات" العامة والبائخة وربطتها بالأجهزة والمصالح الأمنية الضيقة.

إعلان الأسد عن استراتيجية الانسحاب من "المستنقع" اللبناني يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح وبداية لنقل تلك العلاقات الجغرافية - السياسية والثقافية - التاريخية من دائرتها الحزبية "الأيديولوجية" إلى دائرة أوسع تقرأ تلك الصلة في سياق تكاملي يقوم على فكرة المصالح ومبادئ المنافع والمكاسب والأسواق والتبادل وغيرها من ثوابت لا يمكن كسرها أو تجاوزها.

الأسد في خطاب المبادرة أشار سريعا إلى تلك التجاوزات والتدخلات التي انتهت إلى عزل الكثير من أصدقاء دمشق ووضعتهم في دائرة الخصوم. وهي أيضا أدت إلى إعطاء فرصة لبعض الانتهازيين للتسلق على العلاقات لمصالح شخصية ضيقة وعلى حساب القوى الحقيقية الفاعلة التي تعتبر قوة تقليدية لسورية وتقع ضمن نطاق مصالحها وأمنها الوطني.

هذه المسألة التي أشار إليها الأسد في خطاب المبادرة سريعا تعتبر نقطة مهمة في مسار تصحيح العلاقات. فما يجمع دمشق وبيروت أكبر بكثير من تلك اللفظيات الأيديولوجية والشعارات الحزبية وما أفرزته من أجهزة حددت تلك العلاقات بمن هو الأكفأ في الكذب والنفاق والاستعداد لإبداء الولاء الكلامي، بينما هو لا يمثل على الأرض سوى شرائح وشراذم لا قيمة فعلية لها في حال انسحبت الأجهزة.

الانسحاب هو نقطة قوة لسورية وفي أبسط الحسابات سيكون أفضل لدمشق من وضعها الحالي. فالانسحاب يخلصها من تلك الطفيليات التي نمت على سطح "المستنقع" اللبناني وعطلت مع الأيام الرؤية الاستراتيجية المطلوبة لفهم أعمق للعلاقات الجغرافية - السياسية والثقافية - التاريخية.

مبادرة الانسحاب من "المستنقع" خطوة مهمة لإعادة الوضوح إلى تلك الرؤية. والمخاوف الوحيدة هو نجاح تلك الطفيليات في إعادة "تغطيس" سورية في "المستنقع" بشعارات حزبية ولفظية وأيديولوجية. فالمسألة تحتاج إلى انتباه. ولحظة الانتباه إلى المخاطر الكبرى بدأت معالمها، إلا أن المشكلة تبقى في "طفيليات المستنقع" ومدى قدرتها على إعادة توريط دمشق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 914 - الإثنين 07 مارس 2005م الموافق 26 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً