في فترة الستينات، وتلألؤ النجم القومي الناصري الذي كانت انعكاساته كبيرة على أبناء المحرق إذ انخرط أبناؤها في التشكيلات القومية الناصرية في ذلك الوقت، كما كان أثر خطابات الرئيس ناصر واضحا على الوضع العام في مدن الخليج، فأضحت "المحرق بورسعيد الخليج العربي" كما وصفها عبدالناصر، إلا أن جذور الروح القومية العربية لدى الشعب البحريني أبعد من تاريخ 23 يوليو/ تموز 1952م كما يذكر المناضل عبدالرحمن الباكر. .. ونادرا ما تجد بيتا أو محلا "دكانا" في المحرق يخلو من صورة لعبدالناصر.
وينسب لأهل المحرق والشيخ أحمد إبراهيم المطوع "شقيق وزير شئون مجلس الوزراء سابقا والمستشار الحالي لسمو رئيس الوزراء" إيقاد الشرارة الأولى لانتفاضة مارس/ آذار 1965 من مسجد بن مجرن سابقا "مسجد مشرف"، في رمضان الذي سبق الانتفاضة بعد صلاة التراويح، وذلك بتأجيج الروح المناهضة لسياسات الاستعمار والاستبداد، إذ يأتي استدلاله المتكرر بالحديث النبوي الشريف: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ومن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"، ثم يتساءل: "هل نحن مؤمنون ضعفاء أم أن إيماننا قوي؟ ويؤكد بيده... بيده... بيده كدليل على قوة الإيمان.
يوم 10 مارس ألقى يوسف عبدالملك، بعد صلاة الجمعة، خطابا حماسيا في الجمع الغفير ضمنه الكثير من مبادئ ثورة يوليو وكلمات حماسية للرئيس عبدالناصر، وعصرا كانت شعارات المتظاهرين "يا عمال الحركة الشركة مرتبكة البحرين في معركة"، وحاول أحمد عبدالملك "جاكي" وصقر البنعلي وعبدالله الخباز وأحمد الجودر إخراج المظاهرات قبل 5 مارس، وقاموا بكتابة الشعارات على الجدران.
الشيخ الأزهري أحمد المطوع تروى عنه الكثير من القصص، منها قصته مع "القومندان بل" حينما زاره في المعتقل، وكان معروفا عن القومندان أنه يذهب بالمعتقلين السياسيين لعمل استحمام لكلبه المدلل! وجرت محاورة بينهما نقلها لي عبدالله مطيويع، مفادها أن القومندان طلب من الشيخ أحمد أن يخرج من السجن فرفض الشيخ ذلك لأنه توقع أن القومندان طلب منه أن يذهب لبيته أي بيت القومندان لعمل "شوار" للكلب.
يذكر الأخ إبراهيم بوشقرة، ذو الباع الطويل في تاريخ جزيرة المحرق السياسي، ان بيت خليفة بن عبدالله الجودر الواقع بفريج العمامرة تم تحويله إلى عيادة لمعالجة جراح الثوار الأحرار، ويواصل بوشقرة: وكان لحمد الهاشل المناعي البطل الكفيف دور بارز، إذ كان يزود الثوار بالبصل والخيش المبلل بالماء من عين العمامرة. وكان للمرأة دور لا يقل عن أخيها الرجل، فقد قامت السيدة لطيفة السادة بطباعة وبيع صورة الشهيد بونودة بعد يومين من استشهاده، وشاركت أمينة العبيدلي في قيادة المتظاهرين على جسر المحرق - المنامة. أ. هـ.
الكثير من تاريخنا الوطني قابع في صدور الناس، وحان الوقت لتدوين هذا التاريخ، والإجابة عن عدة أسئلة. فلاتزال أسئلة أهل المحرق حائرة دون إجابات. يتساءلون عن السبب في رفض الشيخ عبدالله بن عيسى بن علي آل خليفة الخروج من المحرق؟ وقبلها يتساءل الناس عن الاسباب التي تم في ضوئها تغيير العاصمة من المحرق إلى المنامة؟
يرجح "من مصادر شعبية" أنه بعد احتجاج أهالي المحرق على عزل الشيخ عيسى بن علي، فكر القوم "الانجليز" في نقل العاصمة منها، ويقال إن الشيخ عبدالله بن عيسى لم "يتزحزح" من المحرق ورفض حرقها!
موقف عبدالله بن عيسى، هو موقف قل أن تجد له نظيرا، وليس هذا وحسب، بل وحينما اخبروه بالنية في إحراق المحرق بأهلها قال: إذا أردتم حرقها فاحرقوني معها، وإذا احرقتموها فأي شعب نحكمه؟ أي ماذا يفيد الحاكم أن يحكم أرضا بلا شعب؟! هذا الموقف وغيره من أسئلة عما كان يجري في ذلك الوقت هو تاريخ لم يدون حتى الآن. نتمنى على الباحثين والمؤرخين سبر أغوار تلك المرحلة بحلوها ومرها، فذلك تاريخ ولابد أن يدون وينشر لأجيال المستقبل، ليتعرفوا على معنى الموالاة والمعارضة، ومن هم أجدادهم وما قدموه في سبيل تحرير البلاد والعباد من ربقة الذل والاستعمار
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 913 - الأحد 06 مارس 2005م الموافق 25 محرم 1426هـ