العدد 913 - الأحد 06 مارس 2005م الموافق 25 محرم 1426هـ

قرار لابد منه

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ردود الفعل السلبية التي صدرت عن الطرفين الأميركي والإسرائيلي على خطاب الرئيس السوري بشار الأسد بشأن الانسحاب من لبنان تدل على الاضطراب الذي أصاب واشنطن وتل أبيب. فالمبادرة الاستراتيجية التي أعلن عنها الأسد في خطابه أفقدت التحالف الأميركي - الإسرائيلي أخطر ذريعة سياسية لتمرير مخطط التقويض الذي كانت أسست له عسكريا منذ فترة ليست قصيرة. فالخطاب نزع الذريعة وأفقد ذاك التحالف الشرير بعض توازنه الذي اراد من دمشق أن تواصل وجودها العسكري حتى تستفيد منه لتوجيه ضربة خطط لها.

المبادرة ليست مفاجأة فهي كانت متوقعه إلا أن حصولها أحدث سلسلة تداعيات مضادة يمكن الاستفادة منها والبناء عليها لإعادة تأسيس قواعد صلبة تزيد من الممانعة اللبنانية لمواجهة تلك الأحلام الصهيونية التي يراد منها أن يكون لبنان حلقتها الثالثة بعد مصر والأردن. فالإعلان عن الانسحاب جاء في لحظة مفارقة ويمكن أن تتحول تلك اللحظة إلى زمن جديد لتصحيح العلاقات السورية - اللبنانية التي شابها الغموض وتحولت إلى شماعة تعلق عليها كل السلبيات. فسورية اليوم أقوى من أمس. وسورية غدا أقوى من اليوم. وحين تستكمل دمشق انسحاب قواتها الشامل والكامل من كل الأراضي اللبنانية ستصبح أقوى على الأقل في المكونات السياسية لتوازنات القوى الفاعلة في لبنان.

سورية الآن إذا أحسنت قيادتها قراءة الوضع في مجموعه العام باتت في موقع أفضل ليس في إطار علاقاتها المتميزة مع لبنان وإنما في سياق توازنها الداخلي وصلاتها الخارجية. فالخطوة تراجعية من ناحية الشكل إلا أنها هجومية من ناحية المضمون. لأنها من جهة سحبت تلك الذريعة "الشماعة" ولأنها من جهة أخرى استعادت تلك الصدقية التي بدأت بخسارتها منذ التمديد للرئيس اللبناني وانتهاء بجريمة اغتيال رفيق الحريري.

المبادرة استراتيجية في كل معانيها وهي في هذا المعنى اعطت بعض الزخم المفقود الذي كانت دمشق بحاجة إليه في لحظة كان يستعد التحالف الشرير إلى عزلها عربيا ودوليا تمهيدا لتوجيه تلك الضربة المخطط لها منذ زمن. خطوة الانسحاب جاءت متأخرة إلا أنها أيضا حصلت في الوقت المناسب لأن دمشق لو تأخرت أكثر لكانت فقدت كليا ذاك الغطاء العربي - الدولي التي هي بحاجة إليه. الآن لم يعد هناك ذريعة دولية للضغط على سورية. فالانسحاب عطل جهاز التفجير الرئيسي وليس بالضرورة أن يكون قد أبطل مفعول المتفجرة نهائيا. فالتحالف الشرير سيلجأ إلى اختراع الذرائع واختلاق الأسباب إلا أن ذلك ليس سهلا ويحتاج إلى وقت. وهذا الوقت الثمين تستطيع دمشق الاستفادة منه لتنظيم هجوم معاكس ليس انطلاقا من الأراضي اللبنانية وإنما من تلك المظلة العربية التي انحسرت حديثا عن الفضاء السوري. كذلك تستطيع استرداد بعض المواقع التي خسرتها دوليا وتحديدا في أوروبا وروسيا والصين. فأوروبا في حال انسحبت سورية فورا من لبنان لن تستطيع الاستمرار في ضغوطها كما كان الأمر عليه سابقا. وروسيا التي دخلت نادي مطالبة سورية بالانسحاب ستخرج منه لتتلاقى مع بعض أوروبا في منتصف الطريق.

قبل إعلان الانسحاب حصل ما يشبه الإجماع في الضغط على سورية وهذا ما استفاد منه التحالف الأميركي - الإسرائيلي الشرير محاولا تمرير مشروعه التقويضي. الآن وبعد إعلان النية على الانسحاب انكشف المشروع التقويضي عربيا ودوليا وأيضا على المستويين اللبناني والسوري. فالتحالف الشرير سيستمر في ضغوطه وفي اختراع الازمات لتبرير مشروعه إلا أن قوته افتقدت إلى ذاك الزخم المطلوب. وهذا لا يعني أن أميركا ستنكس أعلامها بل ستواصل ضغوطها واحتيالها ولكن من دون شرعية دولية كافية وتغطية عربية ولبنانية. فالمبادرة الاستراتيجية أسست ديناميات معاكسة يتوقع لها أن تعطل الكثير من عجلات الهجوم. وتعطيل بعض العجلات ربما لا يساعد على وقف الهجوم إلا أنه يخفف الكثير من زخمه وقوته.

إعلان الانسحاب فرز مجددا الأوراق ونزع صاعق التفجير وسحب الذريعة التي علقت عليها واشنطن كل مشروعها التقويضي. الورقة "القرار" كان لابد منها. والآن لابد من الانتظار. فالإعلان لم يقلب الطاولة ولكنه أسهم في خلع أهم مرتكزاتها. فواشنطن ستحاول الآن التقليل من أهمية الإعلان عن الخطوة لكنها لن تستطيع تجاهل مفاعيلها اللبنانية والسورية والعربية والدولية.

الحرب طويلة مع الولايات المتحدة وهذه من المعارك الصغيرة التي كادت واشنطن أن تربحها لولا تلك المبادرة الاستراتيجية التي جاءت متأخرة ولكنها كانت في اوانها ولبت حاجات كثيرة ايجابية عربيا ودوليا. ولهذا السبب كانت ردود الفعل الأميركية الاسرائيلية سلبية. فما هو صحيح يكشف في النهاية الخطأ. وهذا ما حصل في تلك اللحظة الجريئة والحكيمة التي صدرت في خطاب الأسد

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 913 - الأحد 06 مارس 2005م الموافق 25 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً