تحتل البحرين مكانة مرموقة على الصعيد الدولي في مجال الرعاية الصحية الأولية، أولا بفضل السياسة الحكيمة لوزارة الصحة من خلال عملها لتأهيل وتدريب وإعداد كوادر الموظفين وخصوصا الكادر الطبي بهذا القطاع من الوزارة. ثانيا من خلال الجهد الذي يبذله العاملون في هذا الحقل من موظفين إداريين، ممرضين وممرضات، صيادلة، فنيي أشعة، وفنيي مختبر وأطباء.
ففيما يخص أطباء الرعاية الأولية، رصدت وزارة الصحة موازنة خاصة للتدريب وذلك عن طريق برنامج طب العائلة في أواخر السبعينات من القرن الماضي. مرتبطا آنذاك بالبرنامج التدريبي لجامعة بيروت الأميركية، ثم المجلس العربي للتخصصات الطبية في مطلع الثمانينينات، في حين تم ربطه منذ منتصف التسعينات بالكلية الملكية للجراحين والأطباء العامين بايرلندا.
يشكل أطباء المراكز الصحية ممن انهوا بنجاح التخصص في مجال طب الأسرة والمجتمع ما يقارب 71 في المئة من مجموع أطباء المراكز الصحية "بحسب البحث الذي أجري في العام 2000". 7 في المئة منهم يحملون درجة استشاري طب العائلة. وتعتبر رابطة أطباء العائلة من أكبر وأنشط الروابط التخصصية المنضوية تحت جمعية الأطباء البحرينية. فالطبيب وبعد التخرج من برنامج طب العائلة تتم ترقيته إلى الدرجة التخصصية السادسة وبمسمى وظيفي هو طبيب عائلة، على أن يدرج بعد عامين من التخرج وحصوله أيضا على شهادة المجلس العربي في قائمة الانتظار للحصول على الدرجة التخصصية السابعة أي درجة الاستشاري في طب العائلة "بحسب الكادر القديم والمعمول به حاليا"، هذه الفترة التي قد تمتد لسنوات عدة.
من الأرقام السابقة، نستدل على انه في الوقت الذي وضعت فيه الخطة لتأهيل أطباء الرعاية الأولية من خلال برنامج طب العائلة، لم تكن هناك خطة مصاحبة ومتكاملة لترقية واستيعاب وتحفيز هذا الكم الهائل من المتخرجين. ففي الوقت الذي لا تنكر فيه وزارة الصحة على حق هؤلاء الأطباء في الحصول على درجة الاستشاري في طب العائلة، إلا أنها تعلق هذا الإشكال على شماعة ديوان الخدمة المدنية والسقف "أي العدد" الذي يحدده للدرجات التخصصية بوزارة الصحة وليس لجنة الترقيات التابعة للوزارة!
ما بين وزارة الصحة وديوان الخدمة المدنية
إذا، من هو المتسبب في هذا الإشكال؟ هل هي وزارة الصحة أم ديوان الخدمة المدنية "كما يشاع في أروقة وزارة الصحة"؟ وأين تكمن المشكلة؟ هل في نقص الموازنة العامة لوزارة الصحة أم في الموازنة المرصودة للرعاية الأولية؟ ومن هو المسئول عن تحديد هذه الموازنة؟ ثم أين وبيد من يكمن الحل؟ هل هو بيد وزارة الصحة أم ديوان الخدمة المدنية؟ إذا كان الحل بيد وزارة الصحة، ما دورها في الضغط على الديوان لتوفير هذه الشواغر؟ وإذا كانت الموازنة أو توزيع الموازنة لا يسمح بذلك، ما المقابل لحصول هؤلاء على الشهادة التخصصية، وهذا العناء الشخصي والعائلي على مدى أربعة أعوام؟ ولماذا هذا التمييز؟ فمن المفترض أن شهادة المجلس العربي للتخصصات هي واحدة، فهل حصل وأن انتظر أطباء الرعاية الثانوية أكثر من 7 سنوات لنيل درجة الاستشاري كما هو الحال في الرعاية الأولية؟ ثم لماذا يتم تحديد سقف عدد الأطباء الاستشاريين في المراكز الصحية؟ ما الضير في أن يكون جميع أطباء المراكز الصحية استشاريين؟ ألا يعد ذلك مفخرة لمملكة البحرين؟
ثمة استفسار آخر لوزارة الصحة مفاده، ما هو الحل بالنسبة لمن لم يحصل على شهادة المجلس العربي؟ ألا توجد لديهم شهادة صادرة عن وزارة الصحة تفيد بإتمامهم البرنامج وحصولهم على الشهادة؟ وهل جميع الأطباء الاستشاريين في وزارة الصحة ممن يعملون بالرعاية الأولية أو الرعاية الثانوية يحملون شهادة المجلس العربي؟! ثم أيضا ما دور وزارة الصحة في الدفع بأطباء المراكز الصحية الذين لم يوفقوا في دخول برنامج طب العائلة لتطوير أنفسهم علميا وعمليا؟ فهؤلاء، على رغم مشاركتهم لزملائهم أطباء العائلة في تطوير الخدمات بالرعاية الصحية الأولية، فإن ذلك لا يعود عليهم بأي مردود ليس ماديا فقط، بل وحتى معنوي يضاعف من معنوياتهم في بذل المزيد من الجهد و بالتالي زيادة المكتسبات التي حققتها مملكة البحرين في مجال الرعاية الصحية الأولية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
من خلال ما سبق ذكره نجد أن هناك تذمرا واضحا لدى غالبية أطباء الرعاية الصحية الأولية من السياسة التي تتبعها وزارة الصحة في نظام ترقياتهم والحوافز المعطاة لهم. وحبذا لو يتم نشر نتائج البحوث في الصحافة المحلية والخاصة بنسبة الرضا عن العمل لدى أطباء المراكز الصحية.
وبرأيي فإن المسئولية مشتركة بين وزارة الصحة والأطباء أنفسهم و ديوان الخدمة المدنية. فوزارة الصحة من خلال رصد موازنة للرعاية الثانوية تفوق أضعاف موازنة الرعاية الصحية الأولية، ناهيك عن التسهيلات المقدمة أيضا، بالإضافة إلى التقصير في الضغط على الديوان في توفير هذه الشواغر الوظيفية هو الذي دفع بهذه الأمور. والأطباء من خلال قبولهم بالأمر الواقع المزعوم وعدم الزج بكل قواهم لتغييره سواء كان ذلك عن طريق تجمعات أو من خلال رابطة أطباء العائلة. أما ديوان الخدمة المدنية "حسبما يشاع في أروقة وزارة الصحة" فإنه المختص بعرقلة جميع الإجراءات المتعلقة بتوفير الدرجات التخصصية والترقيات. فهل من توضيح من الديوان في ذلك؟
الكادر الجديد والحقيقة المرة
من كل ما سبق ذكره، هل يجيب كادر الأطباء الجديد على هذه الأسئلة؟ الجواب كلا. فالكادر الجديد على حد علمي، "طبعا لم يطلع عليه أحد في مسودته، فكيف به بعد التعديل من قبل الوزارة والذي قدم لرئاسة مجلس الوزراء وعرض على البرلمان!" لا يجيب على ذلك، هذا إن لم يكن قد وضع المزيد من العراقيل!
يعتبر كادر الأطباء بمثابة القانون أو النظام الذي تعتمد عليه وزارة الصحة والوزارات المعنية في الترقيات ورصد الحوافز لجميع الأطباء العاملين بوزارة الصحة، ما يسهم في فك الكثير من الإشكال بين الأطباء ووزارة الصحة، كما سيؤدي إلى رفع مستوى المؤهلات الطبية في وزارة الصحة إضافة إلى خلق واقع مهني وإداري متطور ومشجع.
لذلك ومن المفترض، من الناحية العملية، انه عندما يتم التقدم بأي مشروع أو خطة ما، مثل كادر الأطباء، أن يكون قد تم إعداده ودراسته ومناقشته من قبل جميع الجهات المختصة. فكان لزاما على لجنة إعداد الكادر الجديد مناقشته مع جميع الأطباء، إن لم يكن من خلال الجمعية العمومية، وأعتقد أن ذلك صعب التحقيق، فالأسهل من خلال الروابط التخصصية، وذلك بوضع تصورات واقعية وليست من نسج الخيال، تعتمد على الواقع في البحرين والدول المجاورة، وهكذا نضمن الخروج بصيغة توفيقية ترضي جميع الأطباء وبذلك يكتسب الكادر الجديد القوة والصلابة عند تقديمه للجهات المختصة. فالمساومات على إضافة أو حذف أي بند من بنود الكادر، هو من اختصاص الجمعية العمومية وليس وزارة الصحة أو لجنة الإعداد. وخصوصا نحن نتحدث عن مشروع على المدى الطويل وليس للمرحلة الآنية، وبالتالي تحديد مصير الأطباء الموجودين حاليا بوزارة الصحة أو القادمين الجدد. فمن غير الواقعي التقدم كل عام أو عامين بمقترح لكادر جديد.
ومع احترامي الشديد للجنة إعداد الكادر الجديد، فإن مناقشته تمت على عجالة مع الأطباء من خلال الاجتماع الذي عقد بجمعية الأطباء والذي كان بهدف أخذ التصورات، في حين أن اللجنة أخذت الوقت الكافي لإعداد هذا الكادر، ولم يتسن لها مناقشته من جديد قبل أن يقدم لوزيرة الصحة، أو حتى توضيح ما تم تعديله من قبل الوزارة!!
ما الذي قدمه الكادر الجديد لأطباء المراكز الصحية؟
أما فيما يخص مسألة الترقيات الخاصة بأطباء الرعاية الأولية، فالكادر الجديد لم يأت بالجديد على جميع الأطباء. عدا أنه في الوقت الذي كان يوظف الطبيب في العمل على الدرجة التخصصية الرابعة أصبح الآن يثبت على الدرجة التخصصية الخامسة وزيادة بعض العلاوات. وبذلك يصعد الجميع في سلم الدرجات درجة تخصصية واحدة.
هناك عدة استفسارات تدور بين رحى أطباء العائلة مفادها، هل يضمن الكادر الجديد موازنة ترقية أطباء العائلة إلى درجة استشاري أي التخصصية الثامنة بحسب الكادر الجديد من دون المرور بالدرجة التخصصية السابعة؟ إذا كان الجواب بلا، ما الاستفادة من ذلك؟ وهل الحل هو في الانتظار مجددا في كادر جديد لا يعلمه إلا الله؟
اعتقد أن المشكلة في الكادر ونظام الترقيات تكمن في ربط المسمى الوظيفي بالدرجة الوظيفية. وهنا يقع فيه ظلم على الأطباء من حملة الشهادات ومن لم يحملها. فإذا كان من حق حملة الشهادات في الترقيات و مسميات وظيفية كمسمى استشاري أو غيره فإن من حق ممن ليست لديهم شهادات علمية الترقية على أساس سنوات الخبرة التي بحوزتهم بينما يظل المسمى الوظيفي لديهم كما هو. وبذلك ترى طبيبا يحمل الدرجة التخصصية السابعة مثلا ولكن لا يحمل صفة الاستشاري بينما هناك طبيب آخر يجمع بين الدرجة التخصصية نفسها وصفة الاستشاري.
من هنا نرى أنه إذا كانت هناك مشكلة في الكادر فالمشكلة الأكبر هي في تطبيقه! فكيف نضع نظام ترقيات "الكادر" في حين يوجد هناك من يعيق تطبيقه "يحدد سقف الدرجات"؟! أليس من المفترض أنه في حال استكمال الشروط الواجبة تنفيذها في الكادر أن تتم الترقية مباشرة؟ الأسئلة كثيرة ولكنني ارتأيت تسليط الضوء على الأهم في هذا الجانب. لذلك نرجو من وزارة الصحة أو ديوان الخدمة المدنية الرد بكل وضوح و بكل شفافية على جميع الأسئلة المطروحة في هذا المقال بعيدا عن المزايدات والشعارات الرنانة
العدد 912 - السبت 05 مارس 2005م الموافق 24 محرم 1426هـ